هناك واجبان مهمان ينبغى على الحكومة والمعارضة الوطنية أداؤهما فى مرحلة السنوات الأربع المقبلة للرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد فوزه رسميا بولاية ثانية الأسبوع الماضى.
الواجب المفروض على المعارضة ــ إذا قررت أن تكون جادة ــ أن تغير من طريقتها شكلا ومضمونا، بعد أن ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأسلوب القديم كان عقيما.
عندما أقول المعارضة الوطنية، أقصد القوى التى تؤمن بالقانون والدستور والدولة المدنية، وأستبعد أى حزب دينى أو يتاجر بالدين، أو أى فئة أو حركة أو جماعة أو منظمة تستخدم العنف والإرهاب طريقا لتحقيق أهدافها.
لفترات طويلة اعتمدت المعارضة على الحديث الإعلامى داخل غرف مقراتها المغلقة. قد يكون بعض كلامها صحيحا عن الحصار الذى نتعرض له من الحكومة وأجهزتها. لكن الأكثر صحة أنها المسئول الأول عن ضعفها.
الاهتمام الجماهيرى بالأحزاب ضعيف، وإذا استمرت الأمور بهذه الصورة، فقد يتلاشى تماما أثر هذه الأحزاب!!.
تتخيل بعض دوائر المعارضة، أن الحكومة يفترض أن تقدم لها الحكم على طبق من ذهب. هذا الأمر لا يحدث فى أى مكان بالعالم. وبمقدار جهد وتضحية المعارضة، تحصل على نتائج على الأرض. هى تحتاج أولا أن تكون لها برامج مختلفة عن الحكومة، ثم تطرحها على الناس، وتقنعهم بها، ليصوتوا لها فى أى استحقاقات انتخابية.
لن تحصل المعارضة على ثقة المواطنين أو بعضهم، إلا حينما يثق الناس أنها جادة، وليست مجرد «سبوبة» أو «خيال مآتة».
الصورة النمطية الموجودة عند كثير من المصريين، أن معظم قادة الأحزاب يستغلونها لتحقيق منافع مادية أو وجاهة شخصية، فى حين أن وظيفتها الرئيسية، هى طرح بدائل لما تقدمه الحكومة.
أما إذا اتفقت رؤيتها مع رؤية الحكومة، فعليها أن تتوقف عن المعارضة، وتنضم كفرع إلى الحزب الحاكم!!. ولا يعقل أن يكون الحزب السياسى مؤيدا للحكومة ومعارضا لها فى الوقت نفسه!.
الناس فى كل بلدان العالم الطبيعية، تنضم للأحزاب لأنها تؤمن ببرامجها، وتدفع اشتراكات شهرية منتظمة وتحضر مؤتمراتها وندواتها وتصوت لها فى كل انتخابات.
لا يوجد مواطن طبيعى ينضم لحزب من أجل الحصول فقط على بطاقة تموين أو وظيفة أو رخصة مخبز!!!. قد يحدث ذلك لاحقا عبر العلاقات، لكن الانتماء لحزب والدفاع عن أفكاره، أمر بعيد تماما عن الحصول على المنافع الشخصية فقط.
رأينا نماذج صادمة للمعارضة فى الانتخابات الأخيرة. شخصيات تعلن عن احتمال الترشح لرئاسة بلد بحجم مصر، ولم يتمكنوا من جمع ٢٥ ألف توكيل شعبى.
هذه ليست معارضة، بل مجرد ظواهر صوتية، تجد لها بعض الصدى فى مواقع التواصل الاجتماعى ليلا ثم تتلاشى، مع شروق الشمس!!!.
من دون تحرك المعارضة للتواصل مع الجماهير، فعليها أن تلوم نفسها فقط.
أما الواجب المفروض على الحكومة وأجهزتها، فهو أن تدرك وتوقن أنه من دون وجود حياة سياسية طبيعية، فإنها تخاطر ــ لا قدر الله ــ بعودة قوى التطرف والعنف إلى الساحة السياسية مرة أخرى، لأنها تجيد اللعب على مشاعر البسطاء باسم سلطان الدين، وتتاجر به جيدا.
من زاوية مصلحية نفعية فقط فإنه من مصلحة الحكومة، أن تكون بجانبها أحزاب مدنية قوية، حتى تواجه المتاجرين بالدين، وبالتالى فإن الدولة يمكنها أن تفكر كثيرا فى طرق دعم وتشجيع القوى السياسية المدنية الشرعية، بكل الوسائل القانونية الممكنة لتقف على قدميها ويشتد عودها، أو على الأقل تتركها تعمل من دون الحصار الذى تفرضه عليها.
لو أن الحكومة طبقت على أرض الواقع ما دعا إليه الرئيس السيسى، فى خطاب فوزه يوم الاثنين الماضى، فإن المشهد السياسى المصرى، سوف يتغير إلى حد كبير. خصوصا فى قول السيسى إن مصر تسع الجميع، وأنه سوف يسعى لتوسيع المشتركات بين كل المصريين.
من دون هذين الواجبين من المعارضة والحكومة، فسوف تستمر المعاناة من هشاشة المشاركة الانتخابية، وانصراف الناس عن مجمل العملية السياسية، وليس فقط التصويت فى الانتخابات.
علينا أن نفكر فى وسائل خلاقة لتشجيع اندماج المواطنين فى الأحزاب والنقابات والقوى والقنوات الشرعية، ولو حدث ذلك، فالمؤكد أننا سنكون قطعنا شوطا كبيرا فى هزيمة الأفكار المتطرفة بصورة جذرية، وبدء تغيير المجتمع للأفضل.. والسؤال: هل هذا الأمر قابل للتحقيق، أم أنها أحلام اليقظة؟!!.
نقلاً عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع