فى جلسة «اسأل الرئيس» فى المؤتمر الوطنى الخامس للشباب يوم الأربعاء الماضى فى فندق الماسة، كشف الرئيس عبدالفتاح السيسى العديد من المواقف الواضحة فى السياسة الداخلية والخارجية لمصر، وأهمها من وجهة نظرى كان الإعلان الواضح بشأن الموقف من القضية الفلسطينية وإسرائيل.
أحد الأسئلة كان عن موقفنا من العدوان الإسرائيلى ضد الفلسطنيين خلال مسيرة العودة على الحدود مع قطاع غزة، وتزامنها مع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس العربية المحتلة.
الرئيس قال إن نقل السفارة سيؤدى إلى عدم استقرار الأوضاع فى المنطقة، وأن مصر ستقدم للاشقاء الفلسطينيين الأدوية وسيارات الإسعاف، وستفتح معبر رفح لهذا الغرض، وستجرى اتصالات مع الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى. سنقول للفلسطينيين «لا نريد إجراءات تؤدى إلى سقوط شهداء». وسنقول للإسرائيليين عليكم أن تراعوا أن تحركات الفلسطينيين مشروعة.
الرئيس سأل قائلا: «هل نقدر نعمل أكثر من كده؟».
وأجاب عن سؤاله بالقول لا. مضيفا: «تحركنا فى القضية الفلسطينية سيكون فى حدود قدرتنا، ولازم نشتغل ونكد حتى يكون لنا تأثير. والتأثير سيكون بالقدرة، لكننا لن نطرقع تصريحين، فنحن لن نزايد. ونريد أن نساهم فى الحل وليس التعقيد».
هذه التصريحات فى غاية الأهمية، لأنها تكشف حدود الدور المصرى فى عملية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. أهميتها أنها تكشف عن جوهر الموقف بلا تزيين أو تزييف، أو استخدام مصطلحات فضفاضة، أو تعبيرات رنانة، ظل كثيرون فى المنطقة العربية يستخدمونها فى وسائل الإعلام من دون تطبيقها على الأرض.
مرة أخرى لماذا هى مهمة؟!
لأنها تمثل إجابة على الكثير من الأسئلة التى تتكرر فى كل مرة تتطور فيها الأحداث على الساحة الفلسطينية، سواء عبر عدوان إسرائيلى مباشر، أو حصار غير مباشر، أو عمليات فدائية تقوم بها منظمات فلسطينية أو انحياز أمريكى سافر لإسرائيل.
حينما قتلت إسرائيل أكثر من ستين شخصا وأصابت نحو ألفى شخص منتصف الأسبوع الماضى خلال مسيرة العودة على حدود القطاع، طالب بعض المصريين بقطع العلاقات مع إسرائيل وطرد سفيره وإغلاق سفارته. هذه المطالب تتكرر فى كل مرة تمارس فيها إسرائيل بلطجتها منذ اجتياحها للبنان عام 1982، ويصل بعض الحالمين فيها إلى ضرورة إعلان الحرب ضد إسرائيل.
معنى وترجمة تصريح الرئيس السيسى أن مصر لن تلجأ إلى أى إجراءات ضد إسرائيل، بل ستحاول التأثير فيها فقط عبر العلاقات، وليس عبر قطعها.
السؤال هل هذا الموقف جديد ومتفرد؟!
الإجابة هى لا قاطعة، وهى نفس السياسة تقريبا المتبعة منذ توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المصرية والإسرائيلية فى مارس ١٩٧٩، مع توترات بسيطة كان أهمها مثلا استدعاء السفير المصرى من تل أبيب احتجاجا على العدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين أكثر من مرة.
فى أسوأ الظروف لم تهدد الحكومة المصرية بقطع العلاقات أو إعلان الحرب، أو حتى طرد السفير.
وبالمناسبة كثيرا منا ينسون أن إسرائيل شنت عدوانا سافرا ووحشيا ضد حركة حماس الإخوانية فى نوفمبر ٢٠١٢.
وقتها فإن الحكومة المصرية الإخوانية والرئيس الإخوانى ومجلس الشعب والشورى الذى كان يسيطر عليه الإخوان وحلفاؤهم السلفيون، لم يقطعوا العلاقات مع إسرائيل أو يعلنوا عليها الحرب، وباستثناء التصريحات العنترية، فإنهم عمليا قاموا بدور الوساطة بين العدو و«جماعتهم» فى غزة، وحصلوا على مقابل ضخم وقتها تمثل فى تمرير الإعلان الدستورى فى ٢١ نوفمبر من العام نفسه الذى أمم لهم الحياة السياسية، إضافة إلى مديح غير مسبوق من كبرى وسائل الإعلام الغربية، بل والإسرائيلية التى تفاجأت برد فعل جماعة الإخوان المسلمين.
قد يسأل سائل وهل هذا الموقف المصرى الحالى صحيح أم لا؟! .
باعتبارى عروبيا يرى أن الصراع مع إسرائيل صراع وجود وليس حدود، أتمنى أن تحرر الجيوش العربية فلسطين من النهر إلى البحر، وأن تعود القدس عربية.
لكن التمنيات وحدها لا تحقق شيئا، وبالتالى فلا يمكن أن تنتصر على عدوك بالكلمات الجوفاء والاغانى والخطب أو التصريحات أو الأمانى فقط، بل أن تبنى بلدك وأمتك جيدا فى كل المجالات، ليس الجيوش فقط بل التعليم والصحة وقبل كل شىء أن تبنى الانسان نفسه.
الانتصار على العدو يحتاج أن نهزمه فى كل المجالات، وأن ننتصر على أنفسنا أولا، وإذا حدث ذلك فربما لن نكون وقتها محتاجين للقوة العسكرية، لكى نحرر فلسطين!!!.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع