بقلم: عماد الدين حسين
هل أخطأنا حينما تعاملنا مع إثيوبيا، بمبدأ «حسن النية الكامل»، أم أن الظروف وقتها، لم تكن تسمح لنا بأكثر من ذلك؟!
سؤال مهم يسأله كثيرون هذه الأيام، خصوصا فى ظل التعنت الإثيوبى فى مفاوضات سد النهضة، وإصرارها على عدم الاستجابة للحد الأدنى من المطالب المصرية العادلة
نعلم أن اليوم الأربعاء بتوقيت أمريكا، هو ختام جولة المفاوضات الثلاثية المصرية الإثيوبية السودانية فى واشنطن بحضور وزير الخزانة الأمريكى ستيفان منوشين ورئيس البنك الدولى ديفيد مالباس اللذين يحضران كمراقبين، وليس كوسطاء.
وما لم تحدث معجزة تقود إلى انفراجة حقيقية، فأغلب الظن أن إثيوبيا ستواصل سياسة المماطلة، ودليل ذلك، طلب رئيس وزرائها آبى أحمد لوساطة رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا مع مصر، بصفته سيتسلم رئاسة الاتحاد الإفريقى فى فبراير المقبل.
حينما تطلب إثيوبيا هذه الوساطة، فهى تقول بوضوح إن مفاوضات واشنطن والجولات الأربع التى سبقتها فى القاهرة والخرطوم وأديس أبابا قد تعثرت تماما.
الخطر الحقيقى هو إصرار إثيوبيا على بدء ملء سد النهضة فى يوليو المقبل كما تردد دائما، حتى من دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان. وبالتالى فإن ما تفعله الآن هو استهلاك الوقت فى المفاوضات العقيمة حتى تضع مصر أمام الأمر الواقع.
ما تفعله إثيوبيا الآن هو أسلوب إسرائيلى أصيل، نراه منذ سنوات، وطبّقه بمهارة شديدة غالبية مسئوليها، خصوصا رئيس الوزراء الأسبق آريل شارون، وشريكه فى الحكم وقتها إسحاق شامير، حينما ضغط عليهم الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الأب، لحضور مفاوضات مدريد مع الفلسطينيين عام 1992. وقتها قال شارون ما معناه «سوف نستنزف الفلسطينيين والعرب فى عملية السلام بحيث تستمر المفاوضات ١٥ عاما من دون أن تؤدى إلى نتيجة»!! وقتها حينما قرأنا ذلك، كنا نظن أن شارون يحلق فى عالم الخيال، ثم تبين أننا كعرب نعيش فى الخيال. فـ«العملية» ما تزال مستمرة، طوال ٢٨ عاما، من دون أن تؤدى إلى نتيجة، وكل يوم تأخذ اسما جديدا من «عملية السلام» إلى «صفقة القرن»!!
البيان الذى أصدرته إثيوبيا بعد فشل مفاوضات أديس أبابا الأخيرة، درس فى تزييف الحقائق، وكان رد الخارجية المصرية عليه قويا، لكن السؤال المهم، ماذا سنفعل إذا أصرت إثيوبيا على موقفها المتعنت؟!
قرأت واستمعت لخبراء فى الملف. لا يوجد رأى قاطع جيد، لأن لكل سيناريو مميزات وعيوبا. لكن الإجماع الوحيد بينهم، هو ضرورة التخلص من سياسة حسن النية والثقة فى الجانب الإثيوبى، لأنه لا يستحق ذلك، ونجح للأسف فى استدراجنا بطرق مختلفة إلى هذه النهاية الصعبة.
طبقا لبعض خبراء الملف فإن هناك تخوفا أن ترفض إثيوبيا وساطة أمريكا والبنك الدولى، إذا فشلت مفاوضات واشنطن، وتصر على وساطة جنوب إفريقيا أو دول «المبادرة المشتركة لحوض النيل» باعتبارها صاحبة مصلحة، ولو حدث ذلك فسندخل فى متاهة موضوعية وإجرائية، وتمييع مستمر للموقف، يصل بنا إلى فرض الأمر الواقع.
السؤال هل من حقنا طبقا لإعلان المبادئ عام ٢٠١٥، أن نصر على وسيط معين كأمريكا والبنك الدولى مثلا، أم لابد من موافقة البلدين معا؟
ثانيا: إلى أى درجة تتعاطف السودان معنا، وهل ما يزال موقفها أقرب إلى الموقف الإثيوبى؟!
ثالثا: علينا أن نعبئ الرأى العام الدولى والقوى الفاعلة فيه بكل الطرق للضغط على إثيوبيا، كى تصل إليها رسالة واضحة أن إصرارها على الحلول الفردية ستدفع ثمنه غاليا.
على المفاوض المصرى أن يكون صلبا ويحاصر المماطلة الإثيوبية، وكما قرأت للسفير محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق، فعلينا أن نسألهم: «ماذا سيقدمون من جديد مع جنوب إفريقيا، ولم يقدموه فى واشنطن»؟!.
تقدير السفير حجازى، أن السلوك الإثيوبى لا يريد أن يضع حدودا لسقف طموحاته كى يبنى المزيد من السدود والمشروعات المائية فى المستقبل، بديلا للتوصل إلى حل يقود إلى تعاون شامل وإدارة مشتركة للسدود.
علينا أن نكشف حقيقة الموقف الإثيوبى لكل من يهمه الأمر. وأن نجبر إثيوبيا على تقديم إجابات نهائية عن الأسئلة المهمة، خصوصا قواعد الملء والتشغيل فى سنوات الجفاف، وكذلك مرحلة ما بعد بناء سد النهضة. علينا ألا نقبل فورا، وساطة جنوب إفريقيا، وإذا قبلنا علينا أن نصر على وجود قواعد صارمة، أهمها التزام إثيوبيا بعدم ملء السد إلا فى وجود اتفاق، حتى لا ندور فى نفس الحلقة المفرغة!.
وأخيرا، فلابد أن تصل لأديس أبابا رسالة، بأن مصر لن تقبل تحت أى ظرف من الظروف، سياسة فرض الأمر الواقع. حان الآن وقت إظهار «العين الحمراء» لإثيوبيا!