فى السابعة من مساء يوم السبت الماضى دخلت إلى المركز الثقافى الأرثوذكسى، الموجود بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، لحضور الاحتفال بإطلاق «أكاديمية ماب للتدريب الإعلامى».
وأنا على باب قاعة المركز كانت هناك موسيقى وأصوات إنشاد تشبه الابتهال الشهير للشيخ سيد النقشبندى «مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى، من لى ألوذ به إلاك يا سندى». قلت فى نفسى ربما كان الأمر مجرد تشابه مع هذه الموسيقى العظيمة التى أبدعها العبقرى بليغ حمدى، فلا يعقل، أن يتم ترديد هذا الابتهال داخل الكاتدرائية!!!
لكن حينما دخلت للقاعة وجدت شابا وفتاة يؤديان هذا الابتهال بالفعل، وهما مينا عاطف المسيحى، وشيرين خالد المسلمة المحجبة. القاعة كانت ممتلئة تماما وشديدة الإنصات للأداء. وحينما انتهى الشابان ــ ومعهما اثنان من عازفى العود ــ من أداء الابتهال، وقف كل من فى القاعة مصفقا لدقائق بلا انقطاع، لهذا الأداء المتميز من كل الجوانب فنيا وقيميا ووطنيا.
ولمن لا يعرف فإن هذا الابتهال «مولاى إنى ببابك »، جاء بناء على ضغط من الرئيس الأسبق أنور السادات بعد حرب أكتوبر 1973 مباشرة، حينما طالب بوجود عمل يجمع بين النقشبندى وبليغ حمدى، وهو الأمر الغريب وقتها، ولم يرحب به النقشبندى فى البداية لكنه وافق عليه إكراما للرئيس. ومع عظمة اللحن فقد تعاون الشيخ مع بليغ حمدى خمس مرات لاحقة.
وصباح الأربعاء الماضى قابلت البابا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية فى قاعدة محمد نجيب العسكرية قرب العلمين، وشكرت له هذه اللفتة المهمة، فانفجرت أسارير الرجل ابتهاجا.
نعود ليوم السبت الماضى حيث استمعنا أيضا لأغانٍ وطنية، ثم قدمت مذيعة الحفل، التهنئة للمسلمين بقرب حلول شهر رمضان.
أسعدنى أن جزءا كبيرا من الحاضرين كانوا من المسلمين. أعرف أن ذلك، يفترض أن يكون هو الطبيعى، لكن كنا قد وصلنا إلى مرحلة، صار فيها الطبيعى استثناء.
حينما يتم ترديد وأداء مثل هذه الأناشيد والابتهالات الإسلامية، داخل مقر الكاتدرائية، فهذا تطور مهم، ينبغى تعميمه بين الجانبين، كمدخل غير تقليدى لضرب منظومة وثقافة الفتنة الطائفية والتطرف، والتى بدأت فى سبعينيات القرن الماضى، ثم تعمقت بالأفكار الوهابية، خصوصا بعد الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩.
بعد هذه المفاجأة الرائعة داخل الكاتدرائية، استمعت لكلمة مهمة من ماجد حمدى عضو مجلس إدارة مستشفى بهية، الذى كشف عن أن المستشفى المتخصصة فى معالجة مرضى سرطان الثدى، تمكنت من الكشف عن ٨٠ ألف حالة، ثبت أن ٧٣ ألف منها سليم، و٧ آلاف حالة تحتاج العلاج، وكل ذلك فى إطار خدمة مجانية، بفضل التبرعات التى تتلقاها المستشفى.
فى هذه الليلة أيضا استمعت إلى كلمة مميزة للفنانة الكبيرة سماح أنور، عن أزمة الاحتكار الموجودة فى سوق السينما المصرية منذ ٢٥ سنة. أنور قالت: «كنا ننتج ١٢٠ فيلما كل عام، انخفضت الآن إلى ٦ أفلام أحيانا. ومعظمها بلا جودة، والمنتجون صاروا أصحاب دور العرض».
سماح أنور درست الإخراج فى الولايات المتحدة الأمريكية، حينما أقامت هناك مضطرة لمدة ثلاث سنوات للعلاج من حادث مرورى، كلفها إجراء ٤٢ عملية جراحية. هناك اكتشفت قيمة السينما المستقلة التى تنتج ٥٠ ألف فيلم، اعتمادا على الاستديوهات الصغيرة، فى حين أن أصحاب هذا النوع فى مصر يعانون من ظروف صعبة جدا، وهناك تعقيدات رهيبة فى صناعة السينما، ومعظم ما يرتبط بها. عملية الاحتكار جعلت أصحاب المهنة يستجدون الموزعين والمنتجين لعرض أفلامهم.
فى هذه الليلة وفى ختام الفقرات المختلفة أعلن الأنبا أرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى ــ فى ذكرى مرور عشر سنوات على تأسيسه ــ عن إطلاق أكاديمية ماب للتدريب الإعلامى، لتقديم جيل جديد من الإعلاميين لديهم الوعى والقدرة على حمل المسئولية الوطنية. وكما قال محمد الشاذلى المتحدث باسم «ماب» فإن الأكاديمية تساعد شباب الموهوبين وتدربهم من خلال أساتذة وخبراء لديهم الرؤية والخبرة التى تؤهلهم للعمل بشكل احترافى فى مجالات الإعلام المختلفة.
فى الختام شاركت فى حلقة نقاشية مهمة أدارها الإعلاميان محمد الدسوقى رشدى وحسام الدين حسين بعنوان «الإعلام والخطاب التنويرى فى مصر»، بصحبة ياسر عبدالعزيز وهشام سليمان وخالد أبوزيد، وكان بها العديد من المحاور والنقاشات المهمة، أرجو أن أعود إليها فى وقت لاحق إذا سمحت الظروف
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع