هل فكرت الدول العربية خصوصا الخليجية فى احتمال أن يجلس الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع الإيرانيين، وتنتهى حالة الخصام بينهما، وربما بين طهران وتل أبيب؟!.
لا أظن إطلاقا أن هذا الاحتمال قد راود أى مسئول عربى خليجى فى السنوات والشهور الأخيرة، رغم أن ألف باء السياسة يقول إنه لا شىء مستحيل، وكل شىء وارد حتى لو كان مستحيلا!!.
الرئيس الأمريكى المتطرف والمتقلب فى قراراته، فاجأ العالم أجمع قبل ثلاثة أيام، وقال إنه مستعد للجلوس مع الإيرانيين ومن دون شروط مسبقة مضيفا: «أعتقد أنهم يريدون لقائى وأنا مستعد متى أرادوا ذلك». ويوم أمس قال: «أشعر أن الإيرانيين سوف يتحدثون مع واشنطن قريبا جدا».
طبعا هناك حرب كلامية ساخنة جدا بين ترامب وصقور إدارته، وإيران وصقورها منذ شهور طويلة، خصوصا بعد أن قرر ترامب فى ٨ مايو الماضى الانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووى الذى وقعته الدول الكبرى مع طهران منتصف عام ٢٠١٥، وما تزال الدول الأوروبية وروسيا والصين تتمسك بالاتفاق.
من كان يتابع هذه الحرب والمواجهة الكلامية، ما كان ليظن أن ترامب قد يتحدث عن لقاء محتمل مع الإيرانيين.
لكن فى المقابل لم يكن أحد على الإطلاق يتصور أن يجلس ترامب مع الرئيس الكورى الشمالى كيم جونج أون، لكن ذلك حدث قبل أسابيع فى سنغافورة، وهناك عملية سياسية بدأت بين بيونج يانج وكل من واشنطن وسيول وطوكيو، يفترض أن تقود إلى انفراجة غير مسبوقة فى الأزمة الكورية المستمرة منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضى.
طبعا لا نتوقع أن تنحل كل المشكلات فجأة بين طهران وواشنطن ومن خلفها تل أبيب، وقد تتفاقم الأزمة أكثر.
والمؤكد أننا سوف نسمع جعجعة كثيرة بين المتطرفين فى المعسكرين، وهى قد بدأت بالفعل بعبارات مثل «الشيطان الأكبر» أو ضرورة نزع إيران سلاحها النووى وانسحابها من سوريا وتوقف تدخلها فى العراق واليمن ولبنان وبقية بلدان الخليج.
لكن ما يشغلنا هنا، هو ضرورة أن نعيد كعرب التفكير الجدى فى التعامل العاطفى فى قضايانا المصرية، وقد لا نتفاجأ إذا لجأت طهران إلى دبلوماسية البازار التقليدية القديمة ووقعت صفقة مع واشنطن، وعلينا ألا ننسى «فضيحة كونترا جيت» أوائل الثمانينيات من القرن الماضى، حينما باعت إسرائيل أسلحة لإيران، وحصيلتها كانت تذهب لمتمردى المعارضة فى نيكاراجوا.
معظمنا أخطأ خطأ كبيرا حينما ألقى كل أوراقه فى سلة دونالد ترامب، بل وفى السلة الإسرائيلية المسمومة!. نسينا طوال الوقت أن ترامب سمسار، ولا يؤمن بأى شىء إلا بمنطق الصفقات التى تحقق له أكبر نسبة من الربح، ولن يفرق مع من سيوقع الصفقة، سواء كانت مع بيونج يانج أو طهران أو أى عاصمة خليجية!.
الولاء الثابت الوحيد لترامب حتى الآن هو مع إسرائيل، التى كانت المستفيد الأكبر من كل تصريحاته وقراراته وإجراءاته، ولا نعرف هل يستمر هذا الاتجاه استجابة لقاعدته الانتخابية والأيديولوجية المتطرفة، أم ينقلب عليها ذات يوم؟!.
ترامب ابتز غالبية العرب، وحصل على مئات الميارات فى شكل صفقات أسلحة ومشروعات اقتصادية، وتلويحه بالانسحاب من سوريا، أو استغلاله للخلاف بشأن قطر خير مثال على ذلك، حيث قام هو وبعض الأوروبيين بالحصول على صفقات من طرفى الأزمة!
لو كنت مكان الحكومة العربية لاستخلصت العبر والدروس من سياسة ترامب منذ وصوله للسلطة. علينا أن نفكر بعقولنا وليس بعواطفنا، بمصالحنا وليس بالهوى الشخصى.
أمريكا ليست دولة عالمثالثية، القرار فيها للرئيس وحده أو الزعيم، أو هذه المؤسسة أو تلك، بل لمجموع المصالح العليا للولايات المتحدة، وهناك من يقول إن «الدولة الأمريكية العميقة» بدأت منذ فترة تحجم من تهور واندفاع ترامب خوفا على المصالح العليا للبلاد.
السؤال: هل نراجع أنفسنا كعرب ونسأل: ماذا سنفعل إذا التقى ترامب مع روحانى، واتفقا على صفقة القرن الحقيقية ومن الذى سيخسر وقتها؟!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع