بقلم: عماد الدين حسين
الخط الأحمر الذى أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى من قناة السويس يوم الثلاثاء قبل الماضى بأن مصر لن تتنازل عن قطرة واحدة من مياه النيل وأنه لا أحد بعيد عن قدراتها، ومن يريد أن يجرب فليجرب، كانت له فوائد عديدة تحدث عنها كثيرون.
لكن هناك ميزة إضافية أيضا، وهى أن مثل هذا الخط الأحمر، سيكون له دور مهم فى الحد من اللغة المتحدية والعنجهية التى يتحدث بها بعض المسئولين الإثيوبيين طوال السنوات الماضية.
بعض هؤلاء المسئولين افتروا كثيرا فى الفترات الماضية، وتعاملوا باعتبارهم قوة عظمى وكأن مصر دولة صغيرة لاحول لها ولا قوة.
هؤلاء انطلقوا فى حملات هجوم وتبجح، لا تتناسب إطلاقا مع الواقع على الأرض، الذى يقول إن مصر دولة كبيرة جدا، وأهم وأقوى دولة إفريقية فى جميع المجالات تقريبا.
نتذكر جميعا التصريح الشهير الذى أطلقه وزير الخارجية الإثيوبى جيدو اندار جاشيو وكرره وزير الرى فى ٢٢ يوليو الماضى، بعد تنفيذ عملية الملء الأول بصورة انفرادية.
جاشيو قال وقتها: «كان يدعى نهر النيل وأصبح الآن بحيرة، ستحصل منها إثيوبيا على التنمية التى تريدها. فى الواقع النيل لنا».
المسئولون الإثيوبيون تحدثوا كثيرا بنفس اللهجة المتعجرفة، لكن تصريح وزير الخارجية كان الأكثر صلفا وتحديا وسفورا وكشفا عن حقيقة الطريقة التى تفكر بها حكومة إثيوبيا التى أطلقت وكالة أنبائها الرسمية حملة بدأت أمس الأول الجمعة عنوانها «لن تمنعنا أى قوة على الأرض من بناء سد النهضة».
جوهر كلام جاشيو أنه لا يعترف إطلاقا بأن نهر النيل هو نهر دولى عابر للحدود، تتشارك فيه ١١ دولة، ويخضع للقوانين الدولية التى تنظم تقاسم المياه بين الدول المتشاطئة.
هو يقول إن النيل لم يعد نهرا دوليا، بل مجرد بحيرة إثيوبية داخلية، ثم أكد على نفس المعنى حينما قال «النيل لنا» وهى عبارة تعنى أنه ليس لبقية البلدان أى مصر والسودان.
هذه اللغة العنترية تكررت بصور كثيرة على لسان مسئولين إثيوبيين فى الفترة الأخيرة، حينما يدعون أن مصر هى سبب فقر إثيوبيا لأنها كانت تصر على حرمانها من إقامة السدود، وأنه حان الوقت لكى تنعم إثيوبيا بالمياه، وأن تجرب مصر الفقر مثلما جربته إثيوبيا!!!
وسمعنا أيضا تلميحات أنه إذا كانت مصر تريد المياه فعليها أن تدفع مقابل ذلك. هذه التلميحات تحولت إلى كلام صريح قبل أيام على لسان المتحدث باسم الخارحية الإثيوبية دينا مفتى، قبل أن يسحب كلامه بعد أن أوصل رسالته لنا. هذه التصريحات هى التى تكشف عن وجه إثيوبيا الحقيقى، وسمعنا وقرأنا وشاهدنا ما يشبه انفجار ماسورة من الأكاذيب والحقد والغل ضد مصر والمصريين طوال السنوات الماضية.
المشكلة أن هذا التحدى والتعنت الإثيوبى لا يستند إلى حقيقة واقعة على الأرض، فلا توجد مقارنة تذكر بين البلدين.
مصر تسبق وتتقدم على إثيوبيا فى كل المجالات تقريبا من أول الاقتصاد نهاية بالقوة العسكرية.
إثيوبيا لاتزال فى المراحل الأولى من عملية التنمية التى لم تعارضها مصر إطلاقا، وكل ما طلبته ألا تكون هذه العملية وبناء سد النهضة مضرة بحقوق مصر، خصوصا حقها فى الحياة، لكن للأسف فإن النوايا الإثيوبية، تكشف لنا كل يوم أن الهدف الجوهرى من إقامة سد النهضة هو تحويله إلى محبس للتحكم فى إرادة مصر وتركيعها، وتعطيشها.
من هنا تأتى أهمية التصريحات التى أطلقها الرئيس السيسى وتحديده للخط الأحمر، حتى يرتدع هؤلاء المسئولون الإثيوبيون، ويتذكروا أنهم يتعاملون مع مصر، وليس مع دولة صغيرة.
وحتى فى العلاقات الدولية فمن المهم أن تقوم الدول الكبرى بتذكير الآخرين بالواقع، حتى لا يتصرفوا بمعزل عنه. عبارة «اللى عايز يجرب يجرب»، مهمة جدا لأمثال هؤلاء المسئولين الإثيوبيين، وتذكيرهم بأنهم ليسوا بعيدين عن قدرة مصر، وعليهم أن يتحدثوا طبقا للواقع، وليس للخيالات والأوهام وأحلام اليقظة.