فى الثالثة من فجر يوم الأحد قبل الماضى «29 يوليو»، خرج جبريل المقارى مسئول الألحان فى قداس دير الأنبا مكارى من قلايته أو مسكنه فى الدير، لكى يحضر تسبيحة منتصف الليل، والإعداد لقداس الأحد بعد عدة ساعات.
لدى خروجه فوجئ بجسد الأنبا ابيفانيوس رئيس الدير ملقى على وجهه فى الممر المؤدى إلى الكنيسة، التى كان سيقام فيها القداس، وحوله بركة من الدماء، وجزء من المخ صار خارج الجمجمة. الراهب سارع بأخبار الرهبان الموجودين، وبعد دقائق قليلة كان الجميع قد استيقظ على هذا الخبر الصادم.
هذه الرواية نشرتها جريدة الوطن قبل أيام منسوبة إلى الراهب باسيليوس المقارى أمين مكتبة دير أبومقار، وقال باسيليوس أيضا إنه جرى إخطار البابا تواضروس، الذى طلب الاتصال بالشرطة والنيابة للتحقيق فى الحادث.
على ذمة باسيليوس فإنه يصعب تصور أن تكون الجريمة بهدف السرقة، فالمقتول كان زاهدا وناسكا ولا يملك أصلا ما يمكن سرقته، ثم إن كل عمال الدير من المسيحيين، وبالتالى فإن القاتل هو أحد الموجودين بالدير وليس من خارجه.
ومن الملفت للانتباه ــ كما كشف البعض ــ ان بعض الرهبان الذين يخرجون للعمل طوال ايام الاسبوع فى مزارع الدير الخارجية يعودون ليلة السبت، للاشتراك فى قداس الاحد.
كما أن أسوار الدير عالية جدا والحراسة مشددة. القاتل يعرف المكان جيدا خصوصا الممرات، وأماكن كاميرات المراقبة غير الموجودة فى الممرات. القاتل أيضا كان يريد قتل الأنبا وليس أى شخص آخر، وبالتالى فقد ارتكب جريمته بأكبر قدر من الاتقان حتى يثبت العكس لاحقا!
مقتل ابيفانيوس صادم جدا، لأنه أول جريمة قتل فى تاريخ الكنيسة تقع داخل الدير. علما بأن هناك ثلاث جرائم قتل خطيرة وقعت قبل ذلك، ولكنها كانت خارج جدران الأديرة.
فى ١٩٤٥ قتل الأنبا ثاؤفيلس مطران القناة والقدس الشرقية، ورشح مرتين للكرسى البابوى ووقعت الجريمة فى مدينة بوش قرب بنى سويف. وفى عام ١٩٥٣ قتل الأنبا مرقص أول أسقف مصرى لجنوب إفريقيا بالرصاص داخل سيارته فى الطريق العمومى لدير وادى النطرون. أما الجريمة الثالثة فكانت مقتل الانبا يوأنس مطران الجيزة والقليوبية وسكرتير المجمع المقدس بالسم عام ١٩٦٣، حينما كان يستعد لحضور حفل زفاف «إكليل» ووضع السم له فى زجاجة دواء، بعد ان شعر بألم خفيف نتيجة للكحة.
جرائم القتل الثلاثة تم قيدها ضد مجهول، وهناك خشية بين كثيرين ألا يتم التوصل فى هذه الجريمة الجديدة إلى اسم الفاعل.
البعض يستبعد فرضية العمل الإرهابى لأسباب كثيرة، منها أن ابيفانيوس شخص غير معروف للعامة، هو معروف جدا للدوائر الكنسية المحلية والعالمية ومعروف فى الأوساط الثقافية الضيقة مثل مكتبة الإسكندرية، لكنه كان شديد العزوف عن الظهور الإعلامى تماما، بل إذا أجبرته الظروف على حضور أحد المؤتمرات، فكان يفضل الجلوس فى المقاعد الخلفية.
لكل ذلك، فإن المهم ليس فقط من الذى قتل الأنبا بالآلة الحادة، بل من الذى اتخذ قرار القتل؟! وهل هناك محرض ومخطط، شخصا كان أو تيارا، ولمصلحة من اختفاء الأنبا ابيفانيوس؟!
هل الأمر متعلق بجريمة قتل عادية لخلاف شخصى؟ هذا أمر مستبعد إلى حد ما كما يقول المتابعون.. هل هو متعلق بأن هذا الرجل قرر محاربة بعض الفاسدين أو المخالفين للقانون واللوائح الكنسية، أو الذين حاولوا ان يفرضوا آراءهم ومنطقهم على رئيس الدير أو الكنيسة عموما؟
لا نملك أى اجابة وفى انتظار ما تسفر عنه التحقيقات، وفى كل الأحوال فإنه لكى نفهم حقيقة ما حدث، فعلينا أن نفهم أكثر حقيقة الخلاف بين البابا شنودة والأنبا متى المسكين والذى ما تزال آثاره مستمرة حتى الآن رغم رحيل الاثنين عن دنيانا.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع