بقلم: عماد الدين حسين
أى عربى عاقل وسوى، يتمنى أن تنجح المبادرة المصرية بشأن الحل السياسى فى ليبيا، والتى تم إعلانها ظهر يوم السبت قبل الماضى بعنوان «إعلان القاهرة».
لكن الحقائق على الأرض، وطبيعة الصراع تقول إننا نحتاج معجزة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى كى يتم تطبيق إعلان القاهرة على أرض الواقع.
أتمنى أن أكون مخطئا، حينما أقول إن المشروعين المتصارعين فى ليبيا يصعب تماما، إن لم يكن مستحيلا أن يتعايشا فى مكان واحد، خصوصا إذا كان هذان المشروعان يخوضان صراعا ضاريا فى المنطقة بأكملها منذ شتاء ٢٠١٠.
الوقائع على الأرض تقول إن الفريقين والمشروعين مختلفان فى كل شىء تقريبا، وما يحدث فى المنطقة بأكملها يغذى هذا الصراع، ولا يساهم فى حله أبدا.
لدينا طرف أول هو الجيش الوطنى ومجلس النواب الشرعى يريد دولة موحدة مدنية بمؤسسات واحدة، وجيش وطنى واحد، ولدينا طرف ثانٍ يريد دولة موحدة أيضا ولكن تسيطر عليها الميليشيات الإجرامية والإرهابية المتصارعة منذ إسقاط نظام معمر القذافى فى أواخر عام ٢٠١١.
الطرف الأول تدعمه عدة دول عربية على رأسها مثل مصر والإمارات والسعودية والبحرين. وهى تؤيد دولة توحيد الجيش وتفكيك الميليشيات المسلحة التى تهيمن على حكومة فايز السراج. وهذه الدول تصنف جماعة الإخوان الداعم الرئيسى للحكومة باعتبارها جماعة إرهابية. وهناك دول أوروبية وعربية داعمة لهذه الرؤية مثل فرنسا واليونان وقبرص وروسيا.
الطرف الثانى تدعمه بالأساس تركيا التى قدمت له السلاح والعتاد والمرتزقة، وتدعمه جزئيا حركة النهضة الإخوانية التونسية.
لكن هناك دولا، ترفض إسقاط حكومة السراج ليس حبا فيها ولكن معارضة لسيطرة دول اخرى على ليبيا.
لكن الأهم أن الخلافات الفكرية والسياسية والإيديولوجية شديدة بين المشروعين. مصر ومعها العديد من الدول العربية تعلن بوضوح رفضها لفكرة الدولة الدينية ورفضها لخلط السياسة بالدين، أو التجارة بالدين، ورفضها لفكرة أن يدعى فصيل أو تنظيم أو دولة احتكارها للدين. خصوصا أن المنطقة اكتوت بهذه النيران كثيرا ودفعت ثمنا باهظا نتيجة لذلك. مصر وبعض الدول العربية مثل سوريا والعراق دفعت وما تزال تدفع دماء أبنائها نتيجة العمليات الإرهابية التى تنفذها وتمولها وتشجعها جماعات وتنظيمات ودول بعضها صار حاكما وفاعلا ومؤثرا فى حكومة فايز السراج.
فى المقابل فإن تركيا تستخدم جماعات الإسلام السياسى بمهارة فائقة لتحقيق مشروع أردوغان الإمبراطورى أو العثمانى أو «الخلافة». وبغض النظر عن اسمه، فقد نجح فى جمع كل الفصائل والتنظيمات المتاجرة بالدين، أو المضللة باسمه، فى بوتقة واحدة، بهدف إما إخضاع المنطقة العربية لتصوراته، أو تخريبها.
فإذا كان أرودغان يستخدم تنظيم النصرة أو القاعدة أو غيرها من التنظيمات المصنفة إرهابية من الأمم المتحدة، فهل يصعب عليه استخدام وتوظيف جماعات أخرى تدعى أنها تؤمن بالديمقراطية رغم تاريخها الطويل فى العنف والإرهاب؟!
ثم إن الصراع بين المشروعين منذ ثورات الربيع العربى أواخر عام ٢٠١١، ثم فى المحطة الفاصلة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، مستمر ويستمر كل لحظة. وصار موقف أردوغان من هذه الثورة غريبا، لدرجة لفتت أنظار العديد من القوى السياسية التركية المعارضة. بل إن رفاق أردوغان القدامى فى حزب العدالة والتنمية، استغربوا فى أكثر من مناسبة موقفه الحاد من مصر ونظامها.
إذا كل المؤشرات تقود إلى أن المشروعين سوف يتصارعان فى ليبيا والعديد من المناطق الأخرى، حتى لو شهدنا وقفا لاطلاق النار ولحظات هدوء بين الحين والاخر، سواء بفعل الإنهاك أو التدخلات الدولية مثلما حصل أثناء مبادرة موسكو، أو مؤتمر برلين أواخر العام الماضى.
مرة أخرى أتمنى أن أكون مخطئا فى رؤيتى التشاؤمية، وأتمنى أن يتحقق السلام فى الشقيقة ليبيا، وأتمنى أن تنجح المبادرة المصرية الأخيرة التى لاقت ترحيبا دوليا وعربيا. لكن مرة أخرى الطرف الثانى يصر على التصعيد، وسيرفض أى مبادرة سلام حقيقية لأن قبولها يعنى تفكيك مشروعه الطائفى والجهوى والميليشاوى، والأهم يعنى نهاية المغامرة التركية فى ليبيا.