بكل المقاييس فإن كثيرين من المراقبين والمتابعين لم يتوقعوا وجود طوابير طويلة نسبيا أمام 139 لجنة انتخابية في 124 دولة موزعين علي 123 سفارة و16 قنصلية مصرية ،فى أول يوم من بدء انتخابات رئاسة الجمهورية فى الخارج التى بدأت أمس الأول الجمعة وتنتهى اليوم الأحد.
طبعا، كل كلامنا فى هذا الصدد سيكون تقديريا، فى انتظار معرفة نسبة المشاركة النهائية فى المرحلة الأولى من الانتخابات، والتى هى أغلب الظن ستكون المرحلة النهائية، ويصعب تماما تخيل وجود إعادة بين المرشحين عبدالفتاح السيسى وموسى مصطفى موسى.
غالبية التقديرات والتوقعات التى سبقت الانتخابات كانت تتشكك فى وجود نسبة مشاركة كبيرة فى الانتخابات. الأسباب التى استند اليها هؤلاء مختلفة، لكن أهمها العامل النفسى المتمثل فى إيمان غالبية المصريين بأن فوز السيسى أمر محسوم، وبالتالى فإن ذهابهم أو عدم ذهابهم لن يفرق كثيرا.
هذا العامل كان هو الأسوأ على الإطلاق ضد نسبة المشاركة، لأن المتضرر الحقيقى منه هو الرئيس السيسى، باعتبار أن ما يشغله ليس هو الفوز المضمون، بل نسبة المشاركة.
ونعلم جميعا أن كل المعارضين باختلاف توجهاتهم يحلمون بتدنى نسبة المشاركة، كى يشككوا فى شرعية الانتخابات نفسها، بل إن بعضهم افترض جدلا ان أى نسبة مشاركة مرتفعة ستعنى وجود تزوير فى الانتخابات!!.
مرة أخرى سوف ننتظر نسب المشاركة النهائية، لكن مشهد الطوابير لا يمكن تجاوزه، لأنه يعطى دلالة معنوية مهمة، وهى أن كثيرين قرروا النزول والمشاركة خلافا لكل التوقعات السابقة.
رأينا مشاهد يصعب وصفها بأنها جاءت نتيجة إجبار، خصوصا لمصريين بسطاء وقفوا فى الطوابير أو صعايدة قرروا ممارسة «لعبة التحطيب» أمام إحدى اللجان فى دولة خليجية. رأينا شابا مقعدا يقطع مئات الاميال فى أستراليا ليشارك فى التصويت فى سيدنى، ومسن تجاوز عمره 75 عاما يقف امام السفارة فى برلين ليدلى بصوته، وشابة عمرها عشرون عاما، تجلس على كرسى متحرك وتدلى بصوتها فى سفارتنا فى أوتاوا الكندية.
السؤال كيف يمكن تفسير هذه الكثافة المبدئية أمام اللجان فى الخارج؟!
فيما يتعلق بالمصريين بالخارج فربما يكون شاغلهم الأول هو ضرورة أن تستمر بلدهم مستقرة. هم يشاهدون كل يوم فى البلدان التى يعملون بها، مشاهد اشقائهم العرب اللاجئين خصوصا من من سوريا والعراق واليمن وليبيا، نتيجة الحروب والصراعات الأهلية والطائفية، الأمر الذى أدى إلى تشتتهم، وتفرقهم. قد يستهين عدد كبير منا بهذا العامل، بل ويسخر منه، لكن من يعيش فى الخارج يشغله هذا الأمر تماما، بغض النظر عمن هو الرئيس. هم يريدون بلدا مستقرا يستطيعون العودة إليه فى أى وقت يقررون، إضافة أن أهاليهم وأقاربهم موجودون فى مصر، وبالتالى يهمهم ان يعيشوا فى بلد آمن ومستقر.
العامل الثانى هو الدور الذى لعبته الحكومة، ممثلة فى وزارتى الخارحية، والهجرة وشئون المصريين فى الخارج، فى إقناع الناخبين بالتصويت، يبدو أنها ساهمت فى زيادة الإقبال على التصويت، خصوصا في دول الخليج :وبالاخص في الكويت والسعودية والامارات.
كثيرون منا لا يدركون أن بعض المصريين فى الخارج يقطعون مئات الأميال للوصول إلى السفارة أو القنصلية المصرية من أجل الإدلاء بأصواتهم. بعضهم يفعل ذلك تأييدا لمرشح من المرشحين، والبعض الآخر من أجل المشاركة والإحساس أن له صوتا ورأيا فى تقرير مستقبل بلده. البعض الثالث وفاء للجهد والنضال الذى تم بذله طوال سنوات حتى تم إقرار حق المصريين بالخارج فى الإدلاء بأصواتهم وهو من المكاسب المهتمة التى تحققت بعد ثورتى ٢٥ يناير ٢٠١١ و30 يونية 2013.
السؤال المنطقى هو: إلى أى مدى سوف تتكرر هذه الطوابير، التى رأيناها فى السفارات والقنصليات، حينما تبدأ الانتخابات داخل مصر أيام ٢٦ و٢٧ و٢٨ مارس الجارى؟!.
هذا هو السؤال الجوهرى.. وإلى أن نأتى لهذا اليوم وجب توجيه التحية لكل مصرى قرر المشاركة فى الانتخابات، بغض النظر هل أعطى صوته لهذا المرشح أو ذاك أو حتى أبطل صوته.
نفلاً الشروق القاهرية