بقلم: عماد الدين حسين
استغربت كثيرًا من الاستنتاج الذى خرجت به مجلة مرموقة مثل «الإيكونوميست» البريطانية يوم الجمعة الماضى، حينما كتبت قائلة: «إن ٧ عقود من النبذ لإسرائيل قد انتهت ببضع ضربات بالقلم». المجلة كانت تعلق على توقيع اتفاقات إقامة علاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين فى البيت الأبيض الأسبوع الماضى.
فى تقرير الإيكونوميست فإن إسرائيل ضاعفت عدد الدول المعترفة بها، وأن الصراع مع العرب ينحسر.
ربما كانت المجلة محقة حينما ترى أن القضية الفلسطينية لم تعد تثير المشاعر التى كانت تثيرها من قبل، وربما كانت محقة بأن الدول العربية تعانى من أزمات سياسية واقتصادية متفاقمة، بسبب صراع القوى بين إيران وتركيا ودول الخليج وأزمات أخرى، وربما كانت محقة بأن المعاهدات التى وقعتها إسرائيل مع الدول العربية، لم تتضمن أى إيماءة لحل الدولتين، بل مجرد حديث غامض عن حل عادل للصراع الإسرائيلى الفلسطينى.
كل ما قالته الإيكونوميست منطقى، باستثناء استنتاجها الرئيسى بأن الصراع يتلاشى أو النبذ لإسرائيل ينتهى.
وربما يكون الخطأ الأساسى للمجلة البريطانية هو خلطها بين خطط الحكومات والأنظمة العربية من جهة، وبين الشعوب فى الموقف من إسرائيل.
لو أن المجلة البريطانية أو كاتب التقرير كلَّف نفسه بالنظر للتجربتين المصرية والأردنية مع إسرائيل، فربما لم يكن يتسرع للوصول إلى هذا الاستنتاج الخاطئ.
الحكومة المصرية وقَّعت اتفاقية مع إسرائيل منذ مارس ١٩٧٩، عقب زيارة السادات للقدس في نوفمبر ١٩٧٧، واتفاقيات كامب ديفيد فى سبتمبر ١٩٧٨.
والأردن وقَّع اتفاق وادى عربة فى عام ١٩٩٤، وقبلها بعام وقعَّت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو مع إسرائيل.
هذه الأطراف الثلاثة مصر والأردن وفلسطين لها صراع مرير مع إسرائيل، منذ عام ١٩٤٨، كان يتضمن حروبا كثيرة واحتلالا بعضه لا يزال ميتمرا لأراضٍ عربية.
مصر والأردن استردا أراضيهما ،وفلسطين تسعى لذلك.
عقب توقيع هذه الاتفاقيات أطلق الإعلام والسياسيون فى كل العالم تعبيرات كبيرة وضخمة، بأن عصر الحروب قد ولى ،وبزغ فجر السلام والأمن والتنمية ونعلم جميعا أن ذلك لم يحدث.
مشاهد الاتفاقيات وصور التوقيع عليها مهمة ورمزية، لكن لو أنها فقط هى التى تنهى الصراعات الكبرى، لكان مشهد وتوقيع أنور السادات ومناحم بيجن يتوسطهما جيمى كارتر قد أنهى الصراع منذ عام 1979، لكن ذلك لم يحدث، رغم أن مصر هى التى تحملت العبء الأكبر فى الصراع العربى الإسرائيلى بالشهداء وباحتلال أرضها وتأخر التنمية الشاملة فيها .
الذى حدث أنه رغم مرور كل هذه العقود منذ نهاية حرب أكتوبر ١٩٧٣ المجيدة، وزيارة السادات للقدس، فإن إسرائيل لم تؤمن بالسلام الحقيقي حتى هذه اللحظة.
هناك حسابات ومواءمات وموازنات للحكومات والأنظمة العربية، التى بدأت العلاقات مع إسرائيل، منذ نهاية السبعينيات وحتى هذه اللحظة.
لكن علاقات الأنظمة والحكومات مع إسرائيل، لا تعنى أن الصراع انتهى أو تلاشى، يمكن لإسرائيل أن تقيم علاقات مع كل البلدان العربية، بل وأن تعلن هذه الحكومات نهاية الصراع رسميا، وحتي لو تم ذلك وبموافقة السلطة الفلسطينية، فلا يمكن أن نسميه نهاية للصراع، إلا إذا حصل الشعب الفلسطينى على حقوقه العادلة أو الحد الأدنى منها.
راهن كثيرون على أن وجود علاقات رسمية لإسرائيل مع الدول العربية أو حتى غير رسمية، يعنى نهاية الصراع وهذا استنتاج غريب ويجافى الواقع.
طالما أن هناك احتلالا وتهجيرا وعدوانا إسرائيليا مستمرا، فلن يتحقق السلام، ولن يتلاشى الصراع.
نعم القضية الفلسطينية تتراجع والفلسطينيون يخسرون وإسرائيل تزداد تجبرا، لأسباب كثيرة منها الحروب الأهلية والصراعات الطائفية وغياب الديمقراطية والاستبداد فى المنطقة العربية، والأهم غياب الوحدة الوطنية بين الفلسطينيين وصراعهم المرير منذ عام ٢٠٠٧، وبالطبع سيؤدى ذلك إلى صعوبة حصول الفلسطينيين على الحد الأدنى من مطالبهم، وقد يؤخر التسوية العادلة كثيرا، وربما يصعبها لكن كل ذلك لا يعنى أن الصراع يتلاشى أو ان نبذ إسرائيل سيتوقف شعبيا.
طالما هناك احتلال وقمع وبلطجة إسرائيلية، فسوف يستمر الشعور الفلسطينى ومعه عدد كبير من العرب والمسلمين وشرفاء بالعالم فى عدم قبول سلام البطش الإسرائيلى.
حينما تنجح الحكومات العربية فى إقناع إسرائيل بالسلام العادل، وقتها يمكن القول بأن نبذ إسرائيل قد انتهى.