ما كان تخمينا وحدسا وتوقعا، صار حقيقة، مجلة فورين بوليسى الأمريكية المعروفة، كشفت يوم الخميس الماضى عن معلومة فى غاية الأهمية، وهى أن إسرائيل سلحت ومولت 12 جماعة إرهابية متطرفة فى سوريا، كانت تحارب الحكومة المركزية والجيش الوطنى.
يصعب التشكيك فى صحة التقرير لعدة أسباب أولها أن فورين بوليسى مجلة كبيرة ومرموقة، وثانيا أنها استندت فى معلوماتها إلى أقوال 24 شخصا من قيادات الجماعات الإرهابية فى سوريا، وأخيرا فلا يوجد أى دافع لدى «فورين بوليسى» لتتعمد تشويه صورة إسرائيل.
فى تفاصيل القصة، قدمت إسرائيل أسلحة مختلفة للمتطرفين منها بنادق هجومية ومدافع رشاشة وقاذفات هاون وسيارات نقل، عبر ثلاث بوابات تربط الجولان المحتل بجنوب سوريا، هذه البوابات هى نفسها التى كان يتم عبرها تسليم ما يسمى بالمساعدات الإنسانية للسكان السوريين، واستخدمتها إسرائيل بمهارة فائقة لتلميع صورتها، وكأنها الدولة ذات القلب الرحيم!!، رغم أنها لم تتوقف عن قتل الأطفال الفلسطينيين منذ سنوات.
إسرائيل أيضا كانت تقدم مرتبات شهرية لعناصر هذه التنظيمات، تبلغ 75 دولارا للإرهابى الواحد، إضافة إلى أموال إضافية للتنظيمات لشراء الأسلحة من السوق السوداء السورية.
على المستوى الشخصى لم أتفاجأ بالمرة من هذه المعلومة المهمة، وقد كتبت فى هذا المكان أكثر من مرة أقول أن هناك يدا إسرائيلية قوية وراء غالبية التنظيمات الإرهابية التى تنشط فى المنطقة العربية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
قلت وقتها وأكرر اليوم، إن هذه التنظيمات هدية من السماء للكيان الصهيونى، فقد وفرت عليه مليارات وربما تريليونات الدولارات، وقامت بالنيابة عنه بتدمير مجتمعاتها، وما زالت تفعل بكفاءة منقطعة النظير.
مقابل هذه الخدمات العظيمة، لن يكون صعبا أن تقدم إسرائيل بعض الأسلحة والأموال إلى هذه التنظيمات، حتى تضمن استمرار النزيف والحرب الأهلية العربية، لأن كل ذلك يصب فى مصلحتها الاستراتيجية.
لا يعنى كلامى السابق أن إسرائيل خلقت التنظيمات الإرهابية أو تساعدها من أجل خاطر عيونها أو حبا فى الإسلام، ولكن لأن هذه التنظيمات تنفذ لها أصعب المهام، التى كانت تحتاج إسرائيل إلى قرون طويلة كى تحققها.
لا أحمل إسرائيل المسئولية الكاملة، لأنها تدافع عن مصالحها، ولكن ألوم من دون تردد السياسات العربية الرسمية منذ عقود، التى هيأت البيئة لنشأة هذه التنظيمات المتطرفة.
زعماء هذه التنظيمات متواطئون ومتورطون وغارقون فى وحل الخيانة، وهم يعلمون ذلك، لكن المشكلة هى فى غالبية وربما كل الأعضاء صغار السن، فى هذه التنظيمات، هم مغرر بهم وأدمغتهم مغسولة تماما، ويعتقدون جازمين بأنهم يطبقون صحيح الإسلام، ويحاربون من أجل إعلاء كلمة الله وكلمة الشريعة!!!، ولا يدركون للحظة أنهم ينفذون أجندة لئيمة وخبيثة لا يستفيد منها إلا إسرائيل، وكل أعداء هذه الأمة الإسلامية.
وبجانب هؤلاء المخدوعين هناك بعض المواطنين العرب والمسلمين، يتعاطفون مع هذه الجماعات، اعتقادا فى أنها تلعب دورا فى إنهاك هذه الأنظمة، الأمر الذى يعجل بسقوطها، وبالتالى انصلاح الأحوال. هؤلاء لم يقرأوا المشهد جيدا. فالإرهابيون الذين يتمسحون فى الدين لم يوجهوا رصاصة واحدة إلى إسرائيل، فى الضفة الغربية أو فى الجولان المحتلة منذ عام 1967، أو فى سيناء، وبدلا من ذلك استداروا لمحاربة مجتمعاتهم!!. هم بعد أن أشعلوا الحرب الأهلية مع حكوماتهم، بدأوا يتقاتلون معا، ورأينا حروبا طاحنة بين داعش والقاعدة، رغم أن التنظيمين، خرجا من عباءة واحدة متطرفة.
والمؤسف والمحزن أن بعض الوسائل الإعلامية العربية، ما تزال تصف هؤلاء الخونة بأنهم مقاتلون ومسلحون أو مجاهدون ضد الاستبداد.
إسرائيل ومثلما فعلت فى الماضى مع المنشق والخائن سعد حداد الذى عاونها أثناء احتلالها للجنوب اللبنانى، وألقت به وببقية العملاء فى «مذابل التاريخ»، أوقفت مساعداتها لهؤلاء منذ نحو شهر بعد هزيمتهم أمام الجيش السورى بمساعدة روسية إيرانية، وتركتهم يواجهون مصيرهم المحتوم، لكن بعد أن أدوا لها خدمة لا تقدم بثمن.. وتلك نهاية الخونة.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع