بقلم - عماد الدين حسين
«لا يصح أن يأخذ موظف استروكس، ويسوق قطارا ليحوله إلى صاروخ طائر، ليضيع أهلنا وأولادنا، لن نسمح بذلك وسنحاسب فى إطار القانون، ومن يتعاطى المخدرات سيتم إنهاء خدمته فورا.. الدولة ستجرى تحاليل للكشف على المخدرات فى جميع مرافقها، ولن يكون هناك استثناءات».
الفقرة السابقة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال حديثه فى الندوة التثقيفية صباح الأحد الماضى، وإذا جرى تطبيقها بصورة جادة، فستكون بداية فعلية لإصلاح كثير من أحوالنا المعوجة.
حسب كلام النائبة منى منير، فنسبة تعاطى الاستروكس فى مصر تزيد 10% عن المعدلات العالمية بواقع 72 % بين الذكور، و27% بين الإناث. أما عمرو عثمان مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، فقال إن الاستروكس يفوق الحشيش فى الهلوسة بنسب تزيد من 200 إلى 3000 مرة، وإنه بالكشف على 8282 موظفا فى 8 وزارات ومؤسسات حكومية تبين تعاطى 250 حالة للمخدرات بنسبة تصل إلى 2.5%.
أما اللواء علاء عبدالعظيم مساعد وزير الداخلية السابق فقال لجريدة الوطن، إنه وخلال الأشهر الأخيرة تم ضبط 68528 متهما فى 60 ألف قضية اتجار وتعاطى.
هذه هى بعض الأرقام، ومعظمنا يتحدث عن انتشار تعاطى وإدمان المخدرات منذ سنوات، لكن لم يتم اتخاذ خطوات شاملة ومنسقة لمحاربة هذه الظاهرة حتى الآن باستثناءات قليلة نذكر منها دور وزارة التضامن، وسأعود لهذا الدور لاحقا إن شاء الله.
وحتى بالملاحظة البسيطة سنكتشف زيادة مطردة فى الظاهرة، أبرزها أن العديد من طلاب المدارس والجامعات، صاروا يتعاطون أنواعا متنوعة من المخدرات، تباع أحيانا علنا فى بعض الشوارع.
أسافر الصعيد بانتظام، وأسمع كل مرة حكايات موجعة ومؤلمة عن زيادة تعاطى الشباب للمخدرات المختلفة، خصوصا الاستروكس وغيره.
نسمع أيضا عن انتشاره بين بعض سائقى التوك توك، وانتشاره الأكبر بين غالبية سائقى النقل والمقطورات، لدرجة أن البعض يقول إنه صار جزءا من شخصية العديد من السائقين!!.
نسمع أيضا عن الانتشار الرهيب للمخدرات بين العديد من الموظفين الذين يعتقدون واهمين أنه مهم جدا لـ«عمل دماغ» من أجل المزاج، أو الهروب من الواقع الاقتصادى والاجتماعى الصعب.
كتبت قبل أكثر من عام فى هذا المكان نقلا عن خبير مصرى كبير، عن المطالبة بتوقيع كشف المخدرات على الموظفين فى هيئة رسمية مهمة، وتعميمه على بقية المؤسسات. فى رأى هذا الخبير، فإن الحكومة إذا أرادت إصلاحا جادا، فعليها تطبيق كشف المخدرات فورا، والقانون يكفل لها فصل المدمن من دون أى عواقب قانونية.
اليوم بلغت الخطورة منتهاها، ورأينا نتيجة «توهان» سائق جرار محطة مصر، الذى قتل وأصاب العشرات، بسبب المخدرات، طبقا لما جاء فى بيان النائب العام المستشار نبيل صادق.
كنا نعتقد أن المخدرات موجودة فقط لدى بعض الأغنياء، ثم فوجئنا بأنها منتشره فى كل الطبقات الفقيرة والمتوسطة. لدرجة تدفع للتساؤل: هل هناك قوى وأجهزة ودول تعمل على نشر الإدمان، وبيع المخدرات بأسعار زهيدة، حتى يتم «هد حيل المجتمع؟!».
بالطبع لا يمكن التعويل فقط على نظرية المؤامرة الخارجية، من دون مواجهة مشاكلنا، وأهمها البيئة التى تدفع هذه الأعداد المتزايدة من المصريين لتعاطى المخدرات بأنواعها المختلفة!!.
كان البعض يعتقد أن الإدمان مجرد مشكلة شخصية لأصحابها، ثم اكتشفنا الآن أنها مأساة عامة للمجتمع بأكمله.
سائق الجرار المتهم فى كارثة محطة مصر، كان «شاردا ومسافرا وتائها تماما «خلال حواره المهم مع وائل الإبراشى على قناة «ON E». لم أكتب ذلك بوضوح بعد الحادث مباشرة لأنه كان مجرد تخمين، لكن بيان النائب العام اتهم السائق صراحة بأنه ثبت تناوله لمخدر «الاستروكس».
إدمان الموظف لم يعد مشكلته الشخصية، أو حتى مشكلة أسرته، بل صار يضر كل المجتمع، بأخلاقه وقيمه، ونشاطه وإنتاجه، وصورته العامة، مرورا بتحوله إلى أداة قتل للجميع كما رأينا فى حادثة الجرار بمحطة مصر.
أتمنى أن نكون جادين هذه المرة، وننهى فورا خدمات أى موظف يثبت أنه مدمن أو حتى متعاطى، وأن نتوقف عن الطريقة المصرية التقليدية حينما نضبط لصا أو مدمنا أو مخطئا ونقول: «حرام سيبوه عنده أسرة وأولاد!!». علينا أن نبذل كل الجهد لإقناع المدمنين بالتوقف، ونعطيهم فرصة أخيرة عبر النصيحة العلنية.. لكن إذا أصروا فلا بديل غير إنهاء الخدمة، فربما يتعظ الآخرون!!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع