بقلم: عماد الدين حسين
أخيرا اكتشف الجميع أكذوبة الدولة المدنية، التى كان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وأنصاره ودراويشه ومريدوه وبعض المخدوعين فى المنطقة العربية وبلدان أوروبية، يصرون على أن يصفوا بها حكومة الميليشيات التى تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس ومناطق غرب البلاد.
قبل أيام اندلعت مظاهرات شعبية عارمة فى العاصمة طرابلس، ومدن ليبية أخرى تحت سيطرة حكومة فايز السراج، احتجاجا على تردى الأوضاع المعيشية والأمنية وانتشار الفساد، وقمعت الميليشيات الاحتجاجات بقسوة بالغة، مما ادى إلى زيادة المشاعر الشعبية تذمرا.
السراج قرر أن يضحى بوزير داخليته القوى فتحى باشاجا ليقدمه كبش فداء، ويحرقه أمام الليبيين، فأحاله إلى التحقيق فى الطريقة التى تصرفت بها الشرطة فى التعامل مع المظاهرات.
السراج وباشاجا يتنافسان الآن على قلب وعقل أردوغان، السراج يحاول أن يستمر كرئيس وزراء، وباشاجا يريد أن يخلفه، والاثنان يسافران بصورة دورية إلى تركيا لنيل الرضا السلطانى!.
وبعد أن فك الجيش حصاره عن طرابلس ومدن الغرب وعاد لشرق ليبيا، بمساعدة مرتزقة أردوغان، انقلب «الإخوة» إلى أعداء وبدأوا يحاربون بعضهم البعض.
حينما قرر السراج التحقيق مع باشاجا، كان الأخير موجودا فى تركيا، ولم يتعامل مع السراج باعتباره رئيسه، بل تعامل كفتوة وبلطجى وند.
اشترط باشاجا ــ وهو فى إسطنبول ــ على رئيسه أن تكون المحاكمة علنية وعلى الهواء مباشرة، وهو شرط غريب خصوصا إذا جاء من وزير ضد رئيسه!
وبدلا من عودة باشاجا المتوقعة لمنزله مباشرة أو مسقط رأسه مصراتة، هبط بمطار معيتيقة، وكان فى انتظاره ٣٠٠ سيارة مدرعة، ضمت عناصر مدنية وعناصر من الشرطة ومن الميليشيات التابعة له، والأخطر وجود وحدات مسلحة تابعة لرئاسة الأركان العامة بالمنطقة الوسطى. هذه القوة دخلت طرابلس بسلاحها من دون تكليف رسمى من الجهة المسئولة عنها إداريا، أى رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع، ثم إنها دخلت لمناطق غير مكلفة بالتمركز فيها، وخرقت حظر التجول الذى يفترض أن وزارة باشاجا هى المسئولة عن تطبيقه.
موكب باشاجا ضم سيارات مصفحة ومدرعة وكاشفات متفجرات وشق طرابلس من شرقها إلى غربها، وحط رحاله فى منزله بقرية النخيل السياحية فى جنزور، بجوار مقر الأمم المتحدة، وسط دهشة الجميع، طبقا لما نقلته صحيفة «المرصد» الليبية.
ميليشيات باشاجا خصوصا المنحدرة من مصراتة أعلنت رفضها لمحاكمة زعيمها، وانتشرت فى بعض مناطق العاصمة، وأطلقت الرصاص احتجاجا، فى حين أن ميليشيات قوة حماية طرابلس أعلنت انحيازها للسراج. باشاجا نسى أنه وزير داخلية وتحدث كرئيس للحكومة. حينما قال إنه يتحدث باسم سبعة ملايين ليبى وأنه يتمنى خلق دولة قادرة على المحاسبة وحماية أموالها وأن حالة المواطن الليبى أصبحت صعبة بسبب انتشار الفساد فى كل مؤسسات حكومة الوفاق، وأنه لن ينحاز للفاسدين حتى لو كلفه ذلك منصبه.
باشاجا خطب فى أنصاره كزعيم سياسى ورسالته للسراج هى «إننى أقوى منك، وأنك لا تستطيع أن تحاكمنى أو تخرجنى من السلطة، والاحتكام سيكون للسلاح، وليس للقانون والدولة المدنية الذى نضحك به على الآخرين لكننا لا نتعامل به!».
فى نفس الوقت فإن محمد الحصان قائد الكتيبة ١٦٦ التابعة لوزارة الدفاع، هدد بالانشقاق عن حكومة الوفاق إذا تم إخراج باشاجا منها. هذه الكتيبة طلبت من أفرادها التوجه إلى مقراتهم لأمور غاية فى الأهمية!!!.
صار واضحا أمام الجميع أن الميليشيات المتنافسة هى التى تسيطر على طرابلس ومصراتة، وأنه لا توجد حكومة مدنية ولا يحزنون. الأمم المتحدة التى كانت تتحدث طوال الوقت عن أن حكومة السراج هى الابن الشرعى لاتفاق الصخيرات، صارت تتحدث عن ضرورة وجود حكومة جديدة تمثل كل الليبيين بشكل ملائم.
وضح للجميع الآن ــ حتى لو تصالح السراج وباشاجا مؤقتا ــ أن الميليشيات والمرتزقة والولاءات الخارجية لا يمكن أن تقود إلى دولة أو حكومة مدنية بل إلى هذه الصيغة المشوهة من أمراء الطوائف والميليشيات والعصابات.
وربما تكون هذه التطورات الدراماتيكية أفضل هدية قدمتها حكومة الميليشيات للعالم أجمع، الذى كان بعضه مخدوعا فى حكومة السراج.
سقطت الأقنعة، وحان وقت أن تسحب الأمم المتحدة ورقة التوت الأخيرة عن هذه العصابات الإجرامية المسماة زورا بـ«حكومة الوفاق».