بقلم: عماد الدين حسين
من أفضل التعليقات التى قرأتها عن تداعيات حادث الانفجار المروع فى ميناء بيروت، ما قالته المطربة اللبنانية المعروفة نانسى عجرم، حينما غردت على حسابها، على موقع تويتر مخاطبة السلطات اللبنانية؟: «انتبهتوا تشيلوا جملة من أغنية لأن فيها كلمة ثورة، ولم تنتبهوا تشيلوا ٢٧٥٠ طن مواد متفجرة من مرفأ بيروت»!!!.
الملاحظة ذكية وصارخة وموجعة، ولمن لا يعرف حكاية حذف كلمة ثورة من كلمات أغنية، فإن المقصود بها أن القائمين على احتفال الجيش اللبنانى بالعيد السنوى له، فى منطقة نهر الكلب شمال العاصمة، أذاعوا أغنية ماجدة الرومى «ست الدنيا يا بيروت» من كلمات نزار قبانى وألحان جمال سلامة، ولكن بعد أن حذفوا منها المقطع الذى يقول: «إن الثورة تولد من رحم الأحزان».
وكشأن كل سلطة ضيقة الأفق فإن الحذف ساعد على إعادة نشر الأغنية كاملة على منصات التواصل الاجتماعى، بل وصب المزيد من الغضب الشعبى اللبنانى على حكومة لبنان وطبقته السياسية.
غالبية اللبنانيين يعرفون كلمات هذه الأغنية جيدا وربما يحفظونها عن ظهر قلب، لأنهم يرددونها فى كل أو معظم مناسباتهم الوطنية، لأنها أفضل تعبير عن الحالة الصعبة التى يمر بها لبنان منذ سنوات، الأغنية كتبها الراحل الكبير نزار قبانى خلال الحرب الأهلية اللبنانية الدامية والتى استمرت من ١٩٧٥ ــ ١٩٩٠»، وغنتها ماجدة الرومى لأول مرة عام ١٩٨٨.
السلطة اللبنانية وطبقتها السياسية المتهمة بأنها سبب كل المصائب التى يمر بها لبنان، انزعجت تماما من فقرة فى أغنية لمجرد أنها تحتوى على كلمة ثورة، وقررت حذفها خلال الاحتفال بعيد الجيش السنوى، الذى تم قبل الانفجار بأيام قليلة.
وبهذا المنطق فمن الواضح أنها تقوم بتجييش كثيرين لكى يراقبوا كل شىء حتى لو كانت كلمات أغنية. مثل هذه النوعية من السلطات والحكومات تنشغل تماما بالتفتيش فى كلمات أغنية، أو عنوان صحيفة أو رسم كاريكاتير أو قصة فيلم أو مسرحية أو حتى لوحة تشكيلية، فى حين لا تفكر بالمرة فى الكوارث التى تقع أو يمكن أن تقع بسبب سياساتها المتردية.
خلال السنوات السبع الماضية وهى مدة وجود ٢٧٥٠ طنا من نترات الأمونيوم لم تفكر الحكومات والمؤسسات والهيئات اللبنانية المختلفة فى إخراجها من الميناء، حتى تزيل الخطر عن سكان بيروت، رغم أننا عرفنا بأن العديد من المسئولين فى الميناء، حذروا أكثر من مرة من خطورة هذا التخزين، بل أرسلوا إفادات واضحة للقضاء ولكل من يهمه الأمر.
لم يتحرك أحد لأسباب متعددة يمكنها أن تكون الإهمال الطبيعى، وقد تصل إلى حد التآمر على البلد بأكمله واتخاذه رهينة لحسابات طائفية ضيقة ومتعصبة.
الحالة اللبنانية ليست فريدة من نوعها، فكل الحكومات والسلطات والعقليات المتردية والفاسدة والجهولة والمتجبرة كانت كذلك، هى سلطات تترك القضايا الكبرى خصوصا إذا كانت تؤثر على حياة الناس ومعيشتهم، فى حين إنها تنشغل أكثر بتوافه الأمور، مثل التفتيش فى نوايا الناس خصوصا الكتاب والشعراء والمؤلفين والمثقفين والصحفيين والباحثين، هذه السلطة قمعت المظاهرات والاحتجاجات الشعبية قبل شهور بصورة فجة، وحرقت خيامهم ووصل الأمر إلى استهداف قادة الاحتجاجات، التى كادت تزيل النظام الطائفى اللبنانى، لولا جائحة كورونا، ولولا التوافق والتعاضد بين الحلقة الضيقة لهذه النخبة السياسية الفاسدة فى كل المذاهب والأحزاب والقوى السياسية.
مع طبقة سياسية مثل تلك لا يمكن، أن تتوقع خيرا لبيروت أو لعموم لبنان. والرهان على أنها هى من ستكشف لغز الانفجار، يشبه الرهان على عطف قادة الاحتلال الصهيونى على الشعب الفلسطينى.
هذه الطبقة ستحاول امتصاص الأزمة الأخيرة بكل طرق التحايل والالتفاف، حتى تعيد ترتيب أوراقها مع التضحية ببعض كباش الفداء.