بقلم: عماد الدين حسين
صباح الأحد الماضى لبَّيت دعوة كريمة من وزارة البترول لحضور افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكبار رجال الدولة لمجمع التكسير الهيدروجينى، أو معمل تكرير مسطرد.
من حسن حظى أننى أعرف هذا الممشروع جيدا، وزرته أكثر من مرة مع الدكتور أحمد هيكل، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للتكرير، التى هى إحدى أهم شركات مجموعة القلعة التى يرأسها د.هيكل، وبالتالى فسعادتى كانت كبيرة، وأنا أرى هذا المشروع العملاق يكتمل ويتم افتتاحه رسميا.
المشروع شراكة نموذجية بين الحكومة ممثلة فى هيئة البترول والقطاع الخاص الوطنى ممثلا فى شركة القلعة إضافة لشركاء آخرين، كما أنه نموذج فريد ــ يتم تدريسه عالميا ــ فى تدبير رأس المال والتمويل الذى وصل إلى ٤٫٣ مليار دولار، تم ضخها فى صورة استثمارات وقروض من ٣٥ مؤسسة عالمية من اليابان وكوريا والاتحاد الأوروبى والاتحاد الإفريقى ودول خليجية، وخمس مؤسسات محلية.
المشروع مقام على ٣٥٠ ألف متر مربع للتكرير، وفكرته تقوم على تكسير المازوت منخفض القيمة، وتحويله لمنتجات ذات قيمة عالية مثل السولار والبنزين ووقود النفاثات والبوتاجاز، هو يستهلك ٣٫٢ مليون طن مازوت و٢٫١ مليون طن بترول، وينتج ٣٫٢ مليون طن سولار، و٨٦٠ ألف طن بنزين عالى الأوكثين والنافتا، و٨٠ ألف طن بوتاجاز، و٦٠٠ ألف طن وقود طائرات، والأهم أنه خفض الاستيراد من المواد البترولية ما بين ٣٠ ــ ٤٠٪، وسيوفر عملة أجنبية لمصر تتراوح بين ٦٠٠ مليون إلى مليار دولار سنويا، ويحقق حلم الاكتفاء الذاتى من المنتجات البترولية، هو وفر ١٨ ألف فرصة عمل خلال مراحل الإنشاء و١٨٠٠ فرصة عمل لأبناء المنطقة فى مسطرد، و١٨٠٠ فرصة عمل مستدامة، كل هذه الأرقام جعلته أكبر مشروع خاص فى القارة الإفريقية.
المشروع بدأ كفكرة عام ٢٠٠٦، وكاد يتعثر مع الاضطرابات التى صاحبت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، ولذلك فإن المقاول العام لم يستلم الموقع إلا عام ٢٠١٤، ولو أن العمل سار بصورة طبيعية، لبدأ الإنتاج قبل ذلك بسنوات، مما كان سيوفر المليارات لمصر، ويجنب المساهمين فى المشروع خسائر وصعوبات متنوعة، كادت فى بعض اللحظات تصيبهم بالإحباط.
هيكل وجَّه الشكر للمهندس طارق الملا، وزير البترول، وللمهندس شريف إسماعيل، وزير البترول السابق، ورئيس الوزراء الأسبق، على دعم المشروع، كما وجه الشكر للرئيس السيسى قائلا: «لولا دعم سيادتكم المستمر لنا من خلال الحكومات المتعاقبة لإقامة هذا المشروع، ما كان له أن يرى النور، ومن غير إجراءات الإصلاح الاقتصادى التى اتخذتها الدولة لكسب ثقة المستثمرين والمقرضين، ما كان لنا أن نمول احتياجاتنا لإنشاء هذا المشروع، الذى أصبح منارة للمنطقة.
كان المنطقى أن يتخوف سكان المنطقة من الآثار السلبية للمصنع على البيئة، لكن المشروع التزم من البداية باتباع أحدث المواصفات البيئية الأوروبية، الأمر الذى أدى لانخفاض الانبعاثات الضارة وتحويلها إلى فحم وكبريت من جهة، وتحسين مواصفات السولار والبنزين المنتج ليطابق المواصفات العالمية، واعتمدت الشركة على الغاز الطبيعى كوقود بدلا من المازوت، وهو الأمر الذى أشارت إليه د. ياسمين فؤاد وزيرة البيئة فى كلمتها باعتباره مشروعا صديقا للبيئة.
الجانب المهم فى تجربة مجمع مسطرد أنه صار صديقا للمنطقة من خلال تنظيم قوافل للكشف على عيون كل من يحتاج من أهل مسطرد، وإعطاء منح دراسية فى أفضل الجامعات المصرية للمتفوقين دراسيا، ورفع كفاءة العملية التعليمية بتوفير منح دراسية فى الجامعة الأمريكية وكبرى الجامعات الحكومية والخاصة للمعلمين فى مناطق شرق شبرا والخصوص ومسطرد، إضافة لرفع ميزانية الخدمة المجتمعية بإعداد مشروعات تقوم على تحسين الدخل ومساعدة المرأة المعيلة.
وكان لافتا للنظر النقاش الذى دار بين الرئيس السيسى والدكتور أحمد هيكل والدكتور مصطفى مدبولى والمهندس طارق الملا بشأن كيفية زيادة المساهمة المجتمعية لهذه الشركة وغيرها من شركات وزارة البترول لخدمة أهالى المنطقة، ولو أن هذا النموذج تم تطبيقه فى المناطق المحيطة بكل الشركات، لربما تم حل العديد من المشكلات الاقتصادية، ولتحققت العدالة الاجتماعية بصورة كبيرة على أرض الواقع.
الرئيس شكر هيكل وقال له: «لا يكفى هذا المشروع ونريد المزيد»، وهيكل رد قائلا «هذا المشروع، ليس الأخير، ولدينا إسهامات أخرى سيكون لها تأثير إيجابى على الاقتصاد المصرى، إضافة إلى مشروع توسعة الشركة المصرية للتكرير».
وربما تكون هذه المحادثة السريعة مؤشرا مهما على ضرورة التعاون المثمر بين الحكومة والقطاع الخاص، وعلى اللغة الجديدة التى يفترض أن تكون بينهما، وتلك قصة أخرى.