بقلم: عماد الدين حسين
هل لاحظ الإعلاميون المصريون ومعهم الحكومة أن بعض أهم القضايا التى ينشغل بها الرأى العام المصرى لم تفجرها وسائل الإعلام التقليدية، بل وسائل التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا» والأهم هل لاحظوا معنى وخطورة ذلك؟!
السوشيال ميديا وليست الصحف والفضائيات المصرية هى التى فجّرت قضية الشاب المتهم بالتحرش «ب.أ. ز» قبل شهور، مما قاد إلى القبض عليه، ثم بدء التحقيق معه أمام النيابة التى حولته إلى المحاكمة الجنائية.
السوشيال ميديا أيضا هى التى فجّرت قضية أو جريمة فيرمونت. فهى التى ألحت على القضية، وهى التى واصلت النشر، وبعضها تعرض للحذف والتوقف والتهديد، لكنها لم تيأس وفى النهاية بدأت النيابة التحقيق وقبضت بالفعل على بعض المتهمين، ووضعت آخرين على قوائم الترقب والوصول، بعد هروبهم.
فى القضيتين فإن السوشيال ميديا هى التى بادرت وتحركت، وظل الملعب خاليا أمامها من دون أى منافسة من وسائل الإعلام التقليدية القومية والخاصة والمستقلة والحزبية، التى لم تتحرك إلا بعد أن بدأت النيابة تصدر بياناتها.
المفترض أن السوشيال ميديا، وطبقا لاسمها هى وسائل تواصل اجتماعى، وليست وسائل إعلام، لكنها تحولت إلى ذلك فى اللحظة التى توقفت وسائل الإعلام العادية أو حتى الإلكترونية عن القيام بدورها الطبيعى والمنطقى وهو نقل الأخبار وتدقيقها وتحليلها ومتابعتها.
وهنا الخطأ الكبير، بل ربما الخطر الكبير. وسائل الإعلام التقليدية وبحكم اتباعها للقواعد المهنية، تقوم بتدقيق الأخبار وتوثيقها والتأكد منها قبل نشرها. هى لا تنشر الإشاعات والأخبار الناقصة والمشوهة. وبالتالى فى اللحظة التى توقفت عن عملها، بدأت السوشيال ميديا تقوم بهذا الدور من دون أى التزام بأى قواعد مهنية أو أخلاقية.
البعض كان يعتقد أنه إذا توقفت وسائل الإعلام التقليدية عن نشر هذه النوعية من الأخبار ـ التى قد يصنفها البعض بأنها مثيرة ــ سوف يتوقف الصداع الذى يصيب رأس الحكومة وأجهزتها.
ربما يكون ذلك قد حدث بالفعل، لكن وبدلا من توقف هذا الصداع، فإن الحكومة اكتشفت الآن أن ما هو أسوأ من الصداع قد بدأ يهددها.
على الأقل هى تستطيع التواصل مع وسائل الإعلام التقليدية من صحف وفضائيات، وتنقل إليهم الحقيقة، وهى أيضا تستطيع تطبيق القوانين المنظمة للمهنة عليهم، بل هى قادرة على معاقبتهم بحكم ترسانة القوانين التى تطبق على رأس وجسد الصحافة المصرية منذ عقود طويلة، وتم تغليظها أكثر من مرة مؤخرا. توقفت معظم وسائل الإعلام عن متابعة القضايا المثارة أو تفجيرها أو متابعتها، وبالتالى استغلت السوشيال ميديا الفرصة وبدأت تمارس مهنة هى أصلا ليست مهنتها. صحيح أن هناك نجوما إعلاميين ومحترفين صاروا يكتبون ويظهرون فى السوشيال ميديا، لكن الغالبية العظمى هواة، والنتيجة أن أى شخص صار يكتب ويفتى كيفما يشاء، وفى كل موضوع.
ما هى الخطورة فى ذلك؟!. ببساطة فإن استمرار ذلك سوف يجعل تشكيل عقل ووعى الجمهور موجودا لدى وسائل التواصل الاجتماعى. التى تقوم غالبا بفبركة الإشاعات أو تشويه الحقائق، مما يجعل الحكومة تقوم بالرد عليها فى كل لحظة. ثم إن أساليب الإلحاح والزن واللجان الإلكترونية منتشر وبقوة فى هذا الفضاء غير المنضبط وبالتالى فإن احتمالات استغلاله من آخرين قوية جدا.
الأصل أن تنقل السوشيال ميديا ما تكتبه وسائل الإعلام التقليدية، وليس العكس كما هو حادث الآن.
استمرار هذه الصيغة المقلوبة لا يعنى إلا شيئا واحدا وهو تكريس هذا الوضع الشاذ، وبالتالى فعلى الحكومة أن تمكّن وسائل الإعلام من أداء عملها بقوة فى إطار القانون والدستور وبصورة منضبطة، حتى لا تتفاجأ بأن وسائل التواصل الاجتماعى خصوصا المعادية منها هى التى تضع جدول أعمال الرأى العام كما بدأ يتضح لنا أخيرا فى العديد من القضايا والتحركات.
أمس السبت كان هناك تجديد ثقة فى غالبية رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية، الذين نتمنى لهم كل التوفيق، وخير طريقة من الحكومة لمساعدتهم أن تعطيهم هامشا أكبر من الحرية لكى ينتجوا صحفا ذات محتوى متنوع وجذاب وإذا حدث ذلك فسوف تعود الصحف وسائل للإعلام وتظل السوشيال ميديا مجرد وسائل للتواصل الاجتماعى.