بقلم: عماد الدين حسين
هل الإنسان حر هذه الأيام فى أن يتباهى ويتفشخر بثروته، أم ينبغى أن يراعى مشاعر الآخرين خصوصا إذا كان الفقر شديدا فى المحيط الذى يعيش فيه؟!
السؤال ليس جديدا، ويتم طرحه دائما خصوصا حينما تكثر الظواهر والنماذج التى تجعل السؤال ملحا.
فى الفترات الأخيرة بدأنا نرى بعض النماذج ممن يطلق عليهم نجوم المجتمع من فنانين ولاعبى كرة يستعرضون ثراءهم الفاحش علنا وبصورة متكررة، أو يتم تسريب من أطراف أخرى عن مظاهر ترف وفشخرة.
هؤلاء ينشرون على صفحات وسائل التواصل الاجتماعى صورا لمنازلهم وفيلاتهم وشاليهاتهم وسيارتهم الفارهة.
السوشيال ميديا صارت قادرة على هتك الأسرار أيضا أو على الأقل سرعة نشرها، كما حدث فى سيارة إحدى الفنانات والمبلغ الجمركى اللازم لإدخالها البلاد ثم فى إعلان تفاصيل السيارات التى اشتراها مؤخرا مطربو المهرجانات.
وجهة النظر الأولى فى هذا الموضوع تقول إن من حق أى شخص أن يتباهى بما يملك تطبيقا لقاعدة «وأما بنعمة ربك فحدث»، وإنه ليس عيبا أن يظهر الإنسان ما يملك، طالما أنه كسبه بالحلال. وأن على الكسالى والذين عجزوا عن كسب الثروات أن يتوقفوا عن تصدير حسدهم وعقدهم النفسية للناجحين.
نظريا الكلام السابق يبدو معقولا، لكنه يصطدم بالكثير من الحجج المقنعة والعقبات التى تجعله فى النهاية متهافتا وضعيفا.
فى كل الأديان السماوية والوضعية ومنها الإسلام هناك الكثير من التقييد لأصحاب الثروات بعدم المباهاة. من أول الحض على عدم تناول الطعام أمام الجيران الفقراء، أو إعطائهم نصيبا منه، نهاية بكلمات أبو ذر الغفارى بأن «الناس شركاء فى ثلاثة... الماء والكلا والنار».
هذا ما ينطبق على الثروة الحلال، فما بالك إذا كانت الثروة حراما أو مشكوكا فى حلالها، أو أنها جاءت بطرق سهلة جدا.
مثال ذلك أن كثيرين تعجبوا من أن أحد اللاعبين تم معاقبته قبل أسابيع قليلة بخصم مليون جنيه من مستحقاته. هم تساءلوا: مع كل التقدير للنجوم الكبار فى كرة القدم وإمتاعهم للجماهير، فماذا قدم هذا اللاعب، وما هى قيمته، وإذا كان الخصم مليون جنيه، فكم حجم ثروته، كيف يمكن أن نقارنه بالعلماء والباحثين الذين يحتاجون الكد والتعب طوال حياتهم العملية ليتحصلوا على هذا المبلغ!!.
رأيى أن من حق كل شخص الاستمتاع برزقه الحلال، لكن من المهم أن يراعى محيطه.
لا يكفى أن يقول الشخص الغنى إننى سددت الضرائب المستحقة فى دولة ثلث سكانها يعيشون تحت خط الفقر، طبقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. لا يصح سياسيا واجتماعيا وإنسانيا لأى شخص أن يتباهى ويستعرض ثروته ـ حتى لو كانت حلالا مائة فى المائة، فى حين أن الناس حوله لا تجد ما تأكله وحياتها صارت شديدة الصعوبة.
فى أوقات الأزمات الاقتصادية الكبرى فإن الناس تفضل أن تلقى بأسباب الأزمة على السياسات الحكومية وعلى جشع الأغنياء، وليس على كسلها، فى حين أن الأسباب تكون متراكمة ومتداخلة وليست نتيجة لسبب واحد. مصر مرت بمرحلة صعبة فى السنوات العشر الماضية، وقررت بدء عملية الاصلاح الاقتصادى وهى عملية مهمة جدا، لكن نتائجها كانت شديدة الإيلام على الطبقة الفقيرة والمتوسطة.
وفى أجواء كهذه ينبغى على بعض الأغنياء المنفلتين حينما يكون معظم المحيطين بك من الفقراء والمعوزين، فليس من الحكمة ولا الحصافة ولا الأخلاق ولا الدين، أن تتباهى بما تملكه من منازل وحدائق وسيارات وموبايلات ذهبية وأرقام حسابات بنكية بمئات الملايين من الجنيهات أو الدولارات.
نعم هذه ثروة قد تكون حلالا ولكنها أيضا يمكن النظر إليها كنوع من الابتلاء. وهناك حديث للرسول محمد عليه الصلاة والسلام حينما قال للصحابى الجليل عبدالرحمن بن عوف ـ الذى تصدق بأموال كثيرة، للفقراء ولبيت المال ــ «لن تدخل الجنة إلا زحفا». هذا الحديث قد لا يكون ضعيفا، لكن المعنى الصحيح فيه أن حساب صاحب الثروة الكبيرة عسير فى الدنيا والآخرة، إذا لم يسدد ما هو مطلوب منه من الزكاة والضرائب والرسوم بالمفهوم الحديث، إضافة للتصدق والعمل الخيرى، حتى تجعل المحيطين بك لا يحسدونك ويتمنون زوال نعمتك.
أيها المتفشخرون انتبهوا.. أنتم تشعلون أعواد الكبريت بجوار بحيرة واسعة وعميقة من البنزين!!