كيف تعود مصر مرة أخرى لتكون أكثر تأثيرا فى القارة الإفريقية، كما كانت فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضى؟
مناسبة السؤال هى نموذج محاكاة الاتحاد الإفريقى التى نفذها شباب البرنامج الرئاسى يوم الإثنين الماضى، وحضر جانبا منها الرئيس عبدالفتاح السيسى.
أداء الشباب كان جيدا للغاية، من أول التنظيم الجيد والمحترف مرورا بفهم الموضوع وطريقة التعبير عنه، نهاية بوضع تصورات لحلول القضايا الإفريقية الصعبة.
هذا النموذج هو تطبيق لتوصيات مؤتمر الشباب الدولى الذى انعقد فى شرم الشيخ قبل شهور. والمؤكد أنه يرسل برسالة إيجابية إلى القارة الإفريقية بأن مصر عادت مرة أخرى لتهتم بقارتها السمراء، بعد طول تجاهل لكن السؤال: هل هذا يكفى بمفرده؟!
الإجابة بالطبع هى: لا، ونموذج المحاكاة هو مجرد لفتة رمزية، لكن الأهم ماذا سنفعل على الأرض، بحيث تصل الرسالة صحيحة وواضحة إلى الشعوب والحكومات الإفريقية، بأننا نتعامل معهم فعلا كإخوة وأشقاء وليس فقط، نتعامل معهم حينما نحتاج إليهم؟!!.
الرئيس السيسى وحينما علق على النموذج وأبدى إعجابه بأداء الشباب والتنظيم الجيد، قال إننا بدأنا من الآن الإعداد لرئاسة مصر للاتحاد الإفريقى فى العام المقبل ٢٠١٩. ونريد مقاربات ورؤى وحلولا وعلاجات مختلفة لمشكلات القارة».
الرئيس قال للشباب: «سوف أصحبكم معى إلى الاتحاد الإفريقى، وأريد أن أرى منكم ماذا ستجهزون، لكى نقدم صورة مصر بطريقة مختلفة إلى الاتحاد الإفريقى عام ٢٠١٩».
أحد الاقتراحات المطروحة أن تلعب الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب دورا مهما فى التواصل مع الشباب الأفارقة من مختلف دول القارة، وأن تستضيف بعضهم فى دورات وورش عمل ولقاءات وندوات وفاعليات مختلفة.
الحل الأسهل الذى نجيده دائما هو جلد الذات والبكاء على اللبن المسكوب. نعرف جميعا أننا أهملنا إفريقيا لأسباب يطول شرحها ــ وسأعود إليها لاحقا إن شاء الله ــ لكن فى المقابل وبعد أن نقوم بالتشخيص وإظهار السلبيات ولماذا وصلنا إلى هذه الحالة، علينا أن ننظر إلى الأمام ونبحث عن الحلول العملية.
حقبتا الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى لن تعودا، لأن التاريخ لا يكرر نفسه، وإلا تحول إلى مأساة أو ملهاة كما يقول كارل ماركس، لكن المؤكد أن هناك سياسات وتوجهات أساسية يفترض أن تظل ثابتة.
أدوات الماضى لم تعد مفيدة، العصر تغير وبالتالى فالأدوات يفترض أن تتغير.
ليس شرطا أن ننشئ شركة النصر للاستيراد والتصدير من جديد. وليس شرطا أن نستنسخ التجربة الماضية، المؤكد أنها كانت تجربة عظيمة ورائدة، لكن مرة أخرى الدنيا تغيرت بصورة كاملة، وإفريقيا التى كانت فى الخمسينيات والستينيات، لم تعد موجودة الآن. لم يعد هناك استعمار فرنسى بريطانى بلجيكى إيطالى مباشر. وليس هناك حركة تحرر وطنى، هناك استعمار جديد بأدوات حديثة جدا، هناك قوى جديدة دخلت القارة غير أمريكا وفرنسا. صار لدينا الصين وتركيا وبعض بلدان الخليج. القواعد العسكرية الأجنبية موجودة فى أكثر من مكان، لكن القواعد الاقتصادية، صارت الأهم.
علينا أن ندرس الواقع جيدا ونسأل أنفسنا: كيف يمكننا أن نعود إلى إفريقيا بصورة عملية، وليس فقط بالأغانى والعواطف والذكريات والتاريخ، وقادة إفريقيا الذين عاشوا فى مصر أو تعلموا فيها أو تلقوا مساعدتها؟
هل يمكننا مثلا أن ننافس الصين فى قروضها ومشروعاتها للقارة، أو ننافس تركيا بدرجة أقل فى هذا المجال؟! وإذا كنا لا نملك أموالا كثيرة لنضخها هناك مثل الصين وبعض دول الخليج، فهل لدينا نموذج ملهم مختلف مثل فرص ومنح تعليمية لطلبة أفارقة بالجامعات المصرية مثلا؟!.
لكن وبما أن ظروفنا وأحوالنا لا تسمح إلا بدورات ومؤتمرات موسمية تستضيف بعض الشباب الأفارقة، بحيث يعودون إلى بلدانهم ليتحدثوا عن مصر الجديدة المختلفة، فعلينا أن نناقش أفكارا ومبادرات مختلفة فى كل المجالات، بحيث نستطيع أن نكون مؤثرين، وألا نجعل ما حدث فى انتخابات رئاسة البرلمان الإفريقى قبل أيام يتكرر حينما خسر مرشحنا المصرى المنصب.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع