بقلم: عماد الدين حسين
سؤال بديهى: هل الحملة الحكومية الحالية ضد مخالفات البناء، تعنى أننا لن نشهد مخالفات بناء فى سائر أنحاء الجمهورية من الآن وصاعدا؟!
الإجابة يفترض أن تكون نعم، لأن العكس يعنى كارثة، ويعنى أننا سنحتاج كل فترة لبدء حملة جديدة لإزالة المخالفات، وتوترات اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة.
إن آجلا أو عاجلا سيتم تسوية المخالفات سواء كانت بناء بلا ترخيص أو عشوائيا أو على أرض الدولة أو تغيير نشاط، أو أى نوع آخر، وبالتالى فإن تكرار المخالفات سيكون أمرا عبثيا.
تقول الحكومة إنها تريد فتح صفحة جديدة مع المواطنين والتصالح معهم بتقنين كل المخالفات، مقابل غرامات مخفضة، شرط ألا يعودوا مرة أخرى إلى المخالفات.
السؤال: ما الذى سيمنع المواطنين من ارتكاب مخالفات جديدة، إذا استمرت نفس الأجواء السابقة؟
المواطنون هم المواطنون وموظفو المحليات كما هم، وبالتالى فطرفَا المعادلة موجودان، فما الذى سيدعونا إلى التفاؤل بشىء مختلف؟!
الحل الوحيد أن يتم نسف المعادلة القديمة من أساسها. المواطن يلتزم بالقانون الذى تضعه الدولة، والحكومة تلتزم بتوفير الأجواء والسياسات التى تجعل المواطنين يقومون بالبناء بصورة طبيعية.
رئيس الوزراء قال أكثر من مرة إنه لا تهاون مع البناء على الأراضى الزراعية، وإنه سيتم إنشاء وحدة مركزية لرصد مخالفات البناء فى كل محافظة.
نعود للسؤال الأساسى وهو: كيف سنضمن أن التعديات لن تعود مرة أخرى، بعد انتهاء عملية التصالح على المخالفات القديمة؟!
تقول الحكومة إن كل شقة أو مبنى سيكون لها قيمة عقارية مضاعفة، ووجود ضمانة وأصل للتعامل مع البنوك والبيع والشراء، والعكس صحيح للمبانى والشقق غير المرخصة وغير الحاصلة على هذه الشهادة.
ملامح النظام الجديد تحدث عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال الشهور الماضية، حينما قرر وقف وتجميد إعطاء تراخيص المبانى، قائلا إن هناك تفكيرا بأن تكون الجهة التى تمنح التراخيص مشكلة من الحى وأساتذة بكليات الهندسة ومدير الأمن ومدير المنطقة العسكرية.
وقبل أيام قليلة تسربت تقارير تقول إن النظام الجديد للتراخيص سوف يصدر مع نهاية مهلة الشهور الستة، وأهم ملامحه التى تسربت، تتضمن البناء على مراحل على عهدة د. خالد قاسم مساعد وزير التنمية المحلية. رخصة البناء ستكون عقدا بين الحكومة والمواطن والالتزامات فيه تنفذ على مراحل، وفى نهاية كل مرحلة يتم تشكيل لجان للمتابعة والتقييم على الأرض لمطابقة الواقع للاشتراطات المنصوص عليها فى الترخيص. ولن يتم الانتقال من دور لآخر قبل التأكد من بناء الجراج مثلا، وكذلك مطابقة الأكواد والخرسانة المسلحة، وفى حال عدم الالتزام، لن يتم الانتقال للمرحلة التالية، إلا بعد تصحيح الأوضاع.
وتتضمن البنود مصادرة المبنى بشكل فورى حال وجود مخالفات دون الحاجة لإصدار حكم قضائى. وستكون هناك أحياء فى القاهرة والجيزة والإسكندرية لن يسمح فيها بالبناء نهائيا لأنها متشبعة.
ويوم الخميس قبل الماضى قال رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى كلام اكثر وضوحا بأنه سيتم الإعلان عن الإجراءات الجديدة للبناء فى كل المدن والقرى من خلال لجنة خاصة بوضع الاشتراطات الترخيصية للبناء.
وأنه سيتم وضع اشتراطات موحدة لكل القرى، وتشجيع البناء الرأسى من خلال اشتراطات عامة لعدم استنزاف أراض زراعية جديدة، وسيتم النظر للبعد الاجتماعى فى الريف. وسيكون لكل عقار ووحدة سكنية رقم قومى، على أن يتم استكمال هذه المنظومة قبل نهاية 2021 لتنظيم كل حركة بيع وشراء للعقارات، على أن يتم بعدها تداول بيع وشراء الوحدات العقارية، وسيتم الإعلان عن جميع الاشتراطات التخطيطية قبل 24 أكتوبر القادم لعودة نشاط البناء مرة أخرى. وبعدها يتم السماح باستنئاف البناء حتى الدور الرابع لمن كان يملك رخصة سابقة.
كلام جيد وممتاز جدا، مع العلم أن مصر لم تكن تنقصها المواد والقوانين والعقوبات واللجان بكل أشكالها، لكن كان ينقصها سد أبواب الفساد، وبالتالى فعلى الحكومة أولا، أن توفر للناس أرضا وبيوتا ووحدات سكنية، فى أى مكان شرط أن تكون فى نطاق عملهم. من حقها أن تنقلهم لأى مكان طالما هناك أعمال وحياة، ووقتها يمكنها أن تعاقب أى مخالف، ولن تكون هناك أبواب للفساد.
عندما يكون هناك حيزا عمرانيا سواء فى المدن أو الصحراء، وعندما تكون هناك بنية أساسية وفرص عمل، لا يمكن لأحد أن يتحجج بالمخالفات، ووقتها يمكن للحكومة أن توقع أقصى الجزاءات على المخالفين.