بقلم: عماد الدين حسين
يوم السبت الماضى غرد الأكاديمى الإماراتى د. عبدالخالق عبدالله، على تويتر موجها كلامه لبعض المندفعين والمهرولين تجاه إسرائيل قائلا: «الحكومة لم تطلب منكم كل هذا التطبيل، ولا أن تكونوا حكوميين أكثر من الحكومة. نحن أمام حدث سياسى صعب، ومعقد، ولسنا فى عرس. نصفكم غير فاهم القضية، وربعكم كالأطرش فى الزفة، وبعضكم صار صهيونيا أكثر من الصهاينة. هرولتكم غير مطلوبة أصلا، وأنتم تسيئون أكثر مما تفيدون دولة مقبلة على حدث مفصلى وضخم».
تقديرى أن ما كتبه عبدالخالق عبدالله هو عين العقل، ورسالة أتمنى بسرعة أن تصل إلى كل الذين طبلوا، أو يريدون أن يطبلوا أو يخططوا للتطبيل.
رسالة عبدالخالق عبدالله مهمة لأنها جاءت منه وليست من أى شخص آخر، هو أكاديمى إماراتى معروف، ولم يعرف عنه أنه معارض لسياسة بلده، بل إن كثيرين خارج الإمارات يعتبرونه أحد الوجوه غير الرسمية المعبرة عن السياسة الإماراتية.
إذا فإن ردود الفعل العجيبة والغربية عقب اتفاق الإمارات وإسرائيل على إقامة علاقات بينهما برعاية أمريكية ــ لم يكن بطلب من الحكومة الإمارتية، لأنه لو كان كذلك، لتم منع عبدالخالق عبدالله من كتابة هذه التغريدة، أو حتى ربما كتابة كلام مؤيد للاندفاع فى العلاقة.
منذ قرار أنور السادات بزيارة القدس عام ١٩٧٧ ثم مؤتمر كامب ديفيد عام ١٩٧٨، ومعاهدة السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٩، ونحن نسمع أن للحكومات العربية حساباتها المعقدة مع إسرائيل، وأنها لا تستطيع أن تفرض رأيها على شعوبها. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذا الرأى، فإن السؤال هو: ما الذى يجبر شخصا أو جماعة على هذا التطبيع المجانى والمتهافت، خصوصا أن أحدا فى دولته لم يجبره على ذلك؟!.
ما الذى يدفع هذه الفئة للتبرع بالدعاية غير المستحقة لإسرائيل؟
ما الذى يجعل مغردة سعودية تنشر مقطع فيديو تهنئ فيه المتحدث باسم جيش الاحتلال، افينجاى ادرعى بعيد ميلاده وتصفه بـ«الجميل دائما»!.
ما الذى يجعل أى عربى حر يعتذر بأثر رجعى لإسرائيل، أو يقول إن هدفها فى المنطقة استثمارى وليس استعماريا.
لننتقد إيران وتركيا كما نشاء، لأن أنظمة الحكم فيهما استغلت حالة الضعف العربى العام، وتتفنن فى محاولات الهيمنة والسيطرة على المنطقة العربية، باستخدام تنظيمات محلية عربية إرهابية ومتطرفة. لكن ليس معنى ذلك أن نستخدم هذه الخلافات لغسيل سمعة إسرائيل!.
الترجمة الحرفية لتغريدة عبدالخالق عبدالله تقول بوضوح إن الدولة الإماراتية لم تطلب من أحد أن يروج لها، وعليهم ألا يكونوا حكوميين أكثر من الحكومة، وأن ما يحدث ليس عرسا بل وضعا سياسيا معقدا وصعبا.
عبدالخالق عبدالله اتهم المهرولين بأنهم إما غير فاهمين أو كالطرش فى الزفة، أو أن بعضهم صار صهيونيا أكثر من الصهاينة. والأهم أنه يرجوهم أن يتوقفوا عن هرولتهم لأنها أولا غير مطلوبة أصلا، وتسىء لدولتهم أكثر مما تفيدها.
ما يحدث من بعض المهرولين الآن، حدث مثله بالضبط فى مصر عقب كامب ديفيد، بل إن مصطلح «الهرولة» مصرى أصلى قديم، ودخل عالم السياسة كنقيض لحالة مقاومة التطبيع الكاسحة من غالبية المصريين ضد إسرائيل.
المصريون وبعدهم الأردنيون تركوا حكومتهم تقيم علاقة رسمية مع إسرائيل، والحكومتان لم تجبرا الشعب على التطبيع. وبالتالى وإذا قررت حكومات عربية جديدة ــ لا قدر الله ــ أن تقيم علاقات مع إسرائيل فعليها ألا تجبر شعوبها على التطبيع. والأهم على المطيعين أن يتوقفوا فورا عن الهرولة أولا، وعن التطبيل ثانيا، لأن ما يفعلونه لا ولن يستفيد منه إلا الإسرائيليون، وبعد وقت طال الزمن أو قصر سوف يدرك المطبلون أن التاريخ لن يرحمهم.