بقلم: عماد الدين حسين
عصر يوم الخميس «٩ يوليو» تلقيت اتصالا على هاتف الشروق الأرضى من سيدة فاضلة، قالت إنها تسكن فى أحد شوارع مصر الجديدة، وتشكو من ظاهرة صارت تزعج غالبية سكان المنطقة.
تقول السيدة إن مجموعة كبيرة من الشباب يسهرون حتى ساعات متأخرة من الليل فى الشارع، ويحضرون الكراسى البلاستيك ويتحدثون ويضحكون بصوت عال لدرجة لا تجعلهم ينامون.
تقول السيدة إن عمرها يقترب من الثمانين عاما، وتعانى من عدة أمراض وتحتاج لأكبر قدر من الهدوء، وهو الأمر الذى ينطبق على العديد من سكان هذا الشارع أيضا.
قلت للسيدة، ولماذا لم تتفاهمون مع هؤلاء الشباب وتطلبون منهم التوقف عن ذلك، خصوصا أنه يفترض أنهم من سكان الشارع والمنطقة أيضا؟
هى قالت، لقد فعلنا ذلك بالفعل أكثر من مرة من دون نتيجة، ومعظمنا «مش وش بهدلة» خصوصا أن أخلاق العديد من شباب هذه الأيام، لم تعد كما كانت فى الماضى.
قلت لها، ولماذا لا تذهبون للشكوى فى نقطة أو قسم الشرطة؟ فقالت إنهم جربوا كل الحلول وللأسف لم يصلوا إلى حل عملى للمشكلة التى تتفاقم يوما بعد يوم.
ما تشكو منه هذه السيدة ليس حالة فردية تخص الشارع الذى تسكن فيه، بل تحولت إلى ما يشبه الظاهرة فى العديد من الشوارع المختلفة.
قبل حوالى شهرين اتصلت بى زميلة صحفية تسكن فى شارع البحر الاعظم وتشكو بحرقة من أن مجموعة من الشباب لم تجد مكانا تسهر فيه إلا بممر يقع أسفل شقتها فى الدور الأول. هذه السيدة لها ابن فى الثانوية العامة، وتقول إنها أنفقت كل ما تملك واستدانت من أجل أن توفر له كل سبل النجاح والتفوق، لكن ابنها فقد التركيز تماما بسبب هذه «السهرات الصباحى» لهؤلاء الشباب.
نصحتها بأن تذهب للشكوى إلى قسم أو نقطة الشرطة، لكنها أيضا لم تظفر بنتيجة حاسمة تمنع تكرار هذا الأمر.
أحد الأصدقاء حدثنى عن نفس المشكلة أيضا قبل أيام.
مجموعة من الشباب لا يسهرون فقط إلا فى الشارع، ويتحدثون بصوت عال، بل كانوا يفعلون ذلك أثناء حظر التجول بسبب كورونا الذى استمر حوالى مائة يوم. نزل للشاب ذات مرة وحادثهم بكل ود وأدب، وقال لهم إن ابنتى فى الثانوية العامة، وتحتاج إلى الحد الأدنى من التركيز. كانوا مهذبين ووعدوا بالاستجابة، ولم يستمر ذلك إلا أياما قليلة ثم عادوا للسهر الصاخب مرة أخرى، خصوصا بعد إلغاء حظر التجول.
السيدة التى بدأت الحديث بها تقول إن الشارع الذى تسكن فيه ليس عشوائيا، بل كان يعيش فيه إلى فترة قريبة أحد رؤساء الوزراء السابقين.
وإن سلوكيات السهرانين بدأت تتطور، وصارت لا تقتصر فقط على الشباب، بل بدأت تنضم إليها فتيات أيضا ويجلس الجميع على كراسى بلاستيك يحضرونها من بيوتهم، ثم تطور الأمر، وصارت الجلسات داخل السيارات أحيانا!!. وقبل أيام بدأوا يغلقون الشارع ليلا أمام من يريد المرور بسيارته، لدرجة أن إحدى السيدات رفضت هذا السلوك وعلا صوتها فاضطروا إلى السماح لها بالمرور.
كثيرون لا يجرأون على فعل ما فعلته هذه السيدة بالتصدى لهذه البلطجة، لأنهم
«يعيشون فى حالهم»، وبعضهم يقول إن هؤلاء الشباب إما منفلت اللسان أو ربما لديه أسرة أو أقارب ذوو نفوذ.
لكن تقديرى أن العامل الرئيسى فى المسألة ليس الاسم أو المنصب أو النفوذ بقدر ما هى تراجع القيم والأخلاق بشكل عام، ولم يعد بعض الشباب يعرف الفرق ما بين الصح والخطأ، وما بين العيب والالتزام وتقدير الجار والكبير وعدم رفع الصوت عليهم، خصوصا إذا كن سيدات.
من حق الناس أن تتمتع بالحد الأدنى من الخصوصية ليلا، ومن حقها أن تنام فى هدوء، بعد أن صارت الشوارع لا تطاق نهارا فى مختلف الأحياء الغنية والفقيرة، الراقية والعشوائية.
أتمنى أن تبادر وزارة الداخلية إلى شن حملات منظمة على بعض الشوارع التى تنتشر بها هذه الظاهرة. لكن المؤكد أن الحل ليس فقط بيد الشرطة، بل هو يحتاج إلى تدخل الأسر وردع أولادها المنفلتين، ويحتاج إلى جهد إضافى من كل من يستطيع المساعدة من أول رجال الدين إلى الإعلام إلى المجتمع المدنى، لكن تحرك الشرطة سيكون مهما فى هذا الأمر.