بعد سنوات من القطيعة التقى الغريمان اللدودان رئيسا الكوريتين الشمالية كيم جونج اون والجنوبى مون جاى، يوم الجمعة الماضى فى القرية الحدودية بانمونجوم، واتفقا على نزع السلاح النووى وإرساء سلام دائم فى شبه الجزيرة الكورية بعد صراع مستمر منذ الحرب الكورية «من ١٩٥٠ إلى ١٩٥٣»، والتى أدت لمقتل نحو ٥ ملايين شخص فى صراع كان يعود سببه الأساسى إلى التنافس الأمريكى السوفييتى، بعد خروج اليابان من كوريا عقب هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥. ويفترض ان يحدث اختراق اكبر حينما يلتقى الزعيم الكورى الشمالى مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى موعد أقصاه يونيو المقبل.
كل شعوب جنوب شرق آسيا عموما وسكان كوريا خصوصا يحلمون ويتمنون أن يتم نزع فتيل الأزمة المستمرة، حتى يتفرغوا للبناء والتنمية.
بالطبع شعوب مثل كوريا الجنوبية واليابان حققت قفزات اقتصادية، لكن يظل التهديد الكورى الشمالى عامل ضغط وقلق وإزعاج دائم، خصوصا التجارب النووية والصواريخ الباليستية طويلة المدى التى تجريها بيونج يانج. هذه الشعوب حققت ما يمكن وصفه بالمعجزة الاقتصادية، لكن صواريخ التجارب الشمالية، تصيبها بالهلع، وبالتالى فإن أى حديث حقيقى عن تحقيق السلام، سيجعل هذه الشعوب تنطلق أكثر.
المقارنة بين الكوريتين لا تجوز، فالشطر الجنوبى حقق ما هو أكثر من المعجزة، وصارت منتجاته خصوصا الإلكترونية موجودة فى معظم بلدان العالم. فى حين أن الفقر والمجاعة ينتشران فى الشطر الشمالى. الجنوبيون آمنوا بالحريات والإبداع والتنافس فصاروا بين الكبار. والشماليون لم يبرعوا إلا فى إنتاج السلاح. صحيح أنهم باعوا منه الكثير لبلدان مختلفة، لكن السلاح وحده لا يطعم جائعا، والأهم أن الفجوة العلمية والتكنولوجية بين الشطرين كبيرة للغاية، ورأينا فى السنوات الأخيرة أن سكان الشطر الشمالى لا يجدون حتى البطاطس لأكلها، بفعل الحصار الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة وبلدان جنوب شرق آسيا.
الكوريتان تحولتا إلى ملعب خلفى للصراع والاستقطاب بعد الحرب العالمية الثانية، ثم التنافس الأمريكى مع كل من روسيا والصين.
حل هذا الصراع سيفيد شعبى البلدين والمنطقة، لكنه سيضر المستفيدين من استمراره وهم قوى كبرى خصوصا الولايات المتحدة.
هناك تقارير كثيرة تقول إن كوريا الجنوبية، رفضت ضغوطا من إدارة ترامب، تطالبها بدفع فواتير مالية كثيرة، مقابل الحماية الأمريكية من تهديدات جارتها الشمالية. هذه التقارير تقول إن ثمن التقارب مع بيونج يانج، أفضل كثيرا وأقل تكلفة من الثمن الذى يطالب به ترامب، وصار فلسفة أساسية فى تعامله مع العديد من بلدان العالم من أول اليابان وكوريا مرورا بحلف الأطلنطى ونهاية ببلدان الخليج العربية.
لو صحت هذه التقارير فإن الحكومة الكورية الجنوبية، تكون قد تصرفت بطريقة حكيمة جدا، أما العامل الحاسم، فهو اقتناع كوريا الشمالية بأن طريق المصالحة مع جارتها هو الأفضل.
كيم أون جرب لغة المبارزة النووية مع دونالد ترامب، ودخل كلاهما فى مبارزة لفظية حول من يملك «الزر الأكبر أو الأضخم» نوويا!!
حتى هذه اللحظة تصرف اون بحكمة بالغة، تخالف كل ما تشيعه عنه وسائل الإعلام الغربية. كان يتم تصويره بأنه يقتل أى وزير أو مسئول بصاروخ إذا لم يكن مزاجه رائعا، وسمعنا وقرأنا قصصا خيالية عنه، لكن تصرفه الأخير يوم الجمعة الماضى، يوحى بأنه تصرف بطريقة غاية فى الحكمة.
هو فاجأ العالم بأنه جمد التجارب النووية، لكن ذلك لم يكن استسلاما، بل سبقها بإعلان أن التجميد جاء بعد أن استكمل تجاربه النووية، قال أيضا إنه يريد وصل ما انقطع من الأنسجة والروابط مع الجارة فى الجنوب.
الأزمة تحلحلت لكنها لم تنتهِ تماما. وأغلب الظن أن مفاوضات شاقة وعصيبة ستدور أساسا حول الثمن الذى ينبغى أن تدفعه كوريا الجنوبية واليابان لإعادة إدماج كوريا الشمالية، وهل ستوافق «أمريكا الترامبية» على هذه الصفقة أم تحاول إفسادها؟!
السؤال الذى يفترض أن يشغلنا فى المنطقة العربية: إذا كنا قد تفاوضنا وجلسنا مع الصهاينة، ألم يحن الوقت للتفكير فى صيغة تنهى الصراع الذى يراه البعض حتميا مع إيران وسيأكل الأخضر واليابس عندنا وعندهم، ولا يفيد إلا الإسرائيليين وأعداء العرب والمسلمين؟!.. هل لدينا حكماء يفكرون فى حل يقلد ما فعله الكوريون؟!
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع