بقلم-عماد الدين حسين
الملاحظة الجوهرية لخبراء كرة القدم أن النظام العالمى الكروى القديم بدأ يتهاوى. وأننا بصدد بزوغ نظام عالمى كروى جديد، بدأت ملامحه تتشكل وتتضح فى مونديال روسيا الحالى.
فى النظام القديم كانت هناك قوى تقليدية أهمها ألمانيا والأرجنتين وإسبانيا والبرازيل وإيطاليا وفرنسا وهى الدول التى احتكرت الفوز ببطولة كأس العالم فى الخمسين عاما الماضية.
أول إشارة إلى تهاوى النظام القديم أن كل الدول السابقة ــ باستثناء فرنسا حتى الآن ــ ودعت المونديال، بعضها خرج بطريقة مهينة من الدور الأول مثل ألمانيا، وبعضها خرج من دور الـ١٦ مثل الأرجنتين وإسبانيا، وبعضها لم يصل إلى النهائيات أساسا مثل إيطاليا ومعها هولندا المصنفة قوة كروية عالمية كبرى، على الرغم من أنها لم تفز إطلاقا بكأس العالم، لكنها لعبت ثلاث مرات فى النهائى أمام ألمانيا عام ١٩٧٤ والأرجنتين ١٩٧٨وإسبانيا عام ٢٠١٠.
فى الماضى كان معظم خبراء الكرة يتحدثون بطريقة آلية بأن البلدان السابق ذكرها هى المرشحية دائما للفوز بكأس العالم.
هؤلاء الخبراء يتحدثون ويحللون من واقع معلوماتهم السابقة القديمة. معظمهم لا يكلف نفسه متابعة بقية القوى الكروية البازغة. وبالتالى يجىء كلامه شديد التقليدية، بأن ألمانيا والأرجنتين مثلا مرشحتان لبلوغ النهائى دائما، وحينما تنهزم ألمانيا وتخرج من الدور الأول يصرخ قائلا: مفاجأة. على الرغم من أنها ليست مفاجأة بالمرة.
أول ملاحظة أساسية على النظام الكروى الجديد أن أوروبا صارت تحتكر البطولة تقريبا فى الدورات الأخيرة باستثناء فوز البرازيل عام 2002 فى كوريا واليابان، وهذه الدورة ستكون من نصيب واحدة من البلدان الأوروبية الأربع فرنسا وكرواتيا وبلجيكا وإنجلترا.
الملاحظة الثانية أن المستويات بين الكثير من الفرق صارت متقاربة جدا. فى الماضى عندما كانت البرازيل أو الأرجنتين أو ألمانيا مثلا تقابل أى فريق آخر، كان الاعتقاد الأقرب إلى الحقيقة هو أن هذه الفرق الثلاثة ستفوز لا محالة، وإذا حدث العكس فهو الاستثناء والمفاجأة الكبرى.
اليوم انتهى كل ذلك، واكتشفنا حقائق كثيرة مهمة، فالبرازيل تعادلت بصعوبة مع سويسرا، وألمانيا انهزمت من كوريا الجنوبية، وتعادلت مع السويد فى الثانية الأخيرة، أما الأرجنتين فتعادلت مع أيسلندا وانهزمت من فرنسا كما انهزمت بالثلاثة من كرواتيا.
إسبانيا بطلة العالم عام ٢٠١٠ تعادلت مع المغرب بصعوبة، وانهزمت أمام روسيا. أما اليابان فقدمت أفضل مبارياتها على الإطلاق أمام بلجيكا وانهزمت فى الدقيقة ١٢٤.
الآن، لم يعد ممكنا التنبؤ بالنتيجة، صارت هناك فرق ــ كنا نظنها ضعيفة ومتوسطة ــ يمكنها أن تتغلب على فرق مصنفة كبرى وعظمى. لدينا الآن مستويات عالية جدا مثلما رأينا فى حالات بلجيكا وكرواتيا والسويد والمكسيك، وحتى فرق مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وكولومبيا، الذين قدموا مستويات مبهرة.
الملاحظة الثالثة ان الاحتراف الخارجى للعديد من اللاعبين، لعب دورا بارزا فى تقوية العديد من المنتخبات التى كانت مصنفة صغيرة أو متوسطة، مثلما حدث فى حالتى نيجيريا والسنغال.
لكن الاحتراف وحده لا يكفى بالطبع لتفسير هذه الظاهرة فبلدان مثل الأرجنتين وألمانيا وإسبانيا لديها مئات اللاعبين المحترفين والنجوم المرموقين. لكن ذلك لم يكن وحده كافيا كى تستمر فى المنافسة، لغياب التناغم الجماعى.
هناك بالطبع دور مهم لعوامل مثل السن والحافز الذى يبدو أنه أثر على دور الكبار جدا مثل ميسى أو نجوم ألمانيا، إضافة إلى دور المدرب وقدرته على حشد وتعبئة وصهر الفريق ليؤدى بصورة جيدة حتى الثانية الأخيرة. خصوصا أن البعض قال إننا نعيش الآن «مونديال الثوانى الأخيرة» حيث تم حسم العديد من المباريات فى الثوانى الأخيرة، إضافة إلى ظاهرة الأهداف العكسية.
نخرج من الرياضة قليلا ونسأل: هل ما حدث من انهيار للنظام العالمى الرياضى الجديد، قابل للتكرار والتطبيق فى النظام السياسى العالمى، أم أن «قواعد اللعب غير النظيف» تمنع تحقق ذلك سياسيا؟.
عندما سألت السياسى الكبير عمرو موسى قبل أيام فى لندن، عن إمكانية تحقق ذلك سياسيا، أجابنى بكل ثقة أن ذلك ممكن بالطبع، وهذا موضوع يستحق المزيد من النقاش.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع