بقلم: عماد الدين حسين
عمرو موسى الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، ووزير الخارجية المصرى الأسبق، كان موضوعيا إلى حد كبير وهو يعلق يوم الجمعة الماضى على اتفاق إقامة علاقات بين إسرائيل والإمارات برعاية أمريكية. هو لم يقع فى خانة التأييد أو الرفض المطلق، كما فعلت غالبية الناس، لكنه تعامل بحرفية سواء فى قراءة المشهد أو اقتراح الحلول للمستقبل.
بطبيعة الحال من حق الناس أن تؤيد أو تنتقد هذا الاتفاق، لأنه أمر يخص كل العرب والمسلمين، باعتبار أنه يتعلق بإسرائيل التى تحتل فلسطين والقدس والجولان.
المهم أنه وبعد التأييد أو المعارضة، ينبغى أن يكون لدينا حد أدنى من العقل لكى نناقش القضايا المهمة بعقلانية بعيدا عن العاطفة فقط.
أولى قواعد المعالجة الموضوعية لقضايانا الأساسية هى أن نفهمها جيدا، ونفهم السياق الإقليمى والدولى جيدا.
وهنا اقتبس من تعليق عمرو موسى ما يلى: «إنه عالم مختلف. يسقط مسلمات ويبنى أسسا جديدة للعلاقات الدولية، لا ترتبط كثيرا بمبادئ القانون الدولى، أو أهداف ميثاق الأمم المتحدة أو قراراتها. خرجت بريطانيا على أوروبا، وغزت تركيا ليبيا، وسيطرت إيران على عواصم عربية؛ وطرحت أمريكا فكرا مختلفا لدور الدولة الأعظم، بينما طرحت الصين مفهوما حديثا للقوة الناعمة ــ لم يكن مطروحا من قبل ــ وكذلك تراجع دور الأمم المتحدة والدبلوماسية متعددة الأطراف» .
انتهى الاقتباس، ولأن موسى سياسى مختلف فهو يحاول الوصول إلى قراءة وحلول عملية برجماتية، بعيدا عن البكاء والعويل. هو يقول ايضا إن قرار وقف أو تأجيل ضم جزء من الضفة الغربية، موقف أمريكى معروف وسابق للاتفاق الإماراتى ــ الإسرائيلى. الإمارات تقول إنه صار التزاما على إسرائيل كجزء من الاتفاق، وبالتالى نتوقع أن يتم النص عليه فى وثائق تبادل العلاقات. وإذا أصرت إسرائيل على عدم الإشارة إليه أو تأكيده فإن للإمارات إمكانية إعادة النظر فى الاتفاق.
ويطالب موسى الإمارات بأن يكون مقر سفارتها تل أبيب وليس القدس، ويطالب أيضا أى دولة عربية تحذو حذو الإمارات فى إقامة علاقات مع إسرائيل،أن يكون هناك مقابل مختلف لصالح الفلسطيين، ويحقق لهم مكاسب إضافية.
هذا هو رأى عمرو موسى فى الاتفاق، وظنى أنه بذل أقصى ما يمكن من مهارات لغوية وسياسية وذهنية، لكى يكتبه بهذه الطريقة المتوازنة.
واعتقادى أن ما جاء فى نهاية التعليق، كان دعوة عمرو موسى لجامعة الدول العربية إلى ترتيب اجتماع عربى لمناقشة جادة لكل التطورات، وإعادة تأكيد قواعد الاشتباك معها وفى ضوئها».
لا نريد مجرد اجتماع عربى تقليدى، يعرف معظمنا ما الذى سوف يسفر عنه من بيانات شجب وإدانة أو دعم وتأييد. ثم يذهب كل إلى حال سبيله، وينتهى الأمر حتى نستيقظ على حدث جديد، فنواصل التأييد والشجب بنفس الطريقة، وهكذا دواليك.
ما نريده ليس اجتماعا رسميا بل نقاش عربى شامل رسمى وشعبى، ينشغل بتحديد قواعد الاشتباك الجديدة أو لنقل مناقشة وبحث كيف يمكننا التعامل مع قضايا ومشاكلنا وهمومنا، وعلاقاتنا ببعضنا البعض ومع دول الجوار، ومع بقية العالم خاصة الدول الكبرى.
الطريقة التى نتعامل بها منذ سنوات طويلة، ثبت أنها مملة ومكررة وفاشلة ولم تؤد إلى أى نتائج. لا أقصد فقط كيفية مواجهة إسرائيل وبلطجتها، ولكن كل القضايا المهمة.
حينما تجرب طريقة ما أكثر من مرة، ويثبت لك فشلها، فعليك أن تجرب طريقة جديدة. أتحدث هنا عن الوسائل وليس عن المبادئ التى يفترض أننا يجب أن نتمسك بها طوال الوقت ولا نفرط فيها.
الاكتفاء بالنقد والشجب والبكاء والعويل والصراخ جربناه عشرات السنوات وفشل، علينا وبعد أن ندين ونشجب أى شىء أن نفكر فى طريقة أخرى للتغلب عليه ومواجهته.
يكاد المرء يتصور أن إسرائيل هى الطرف الأكثر استفادة من هذه الثقافة العربية الغارقة فى الأوهام.
أؤمن أن صراعنا مع إسرائيل هو صراع وجود وليس صراع حدود، والمشروعان العربى والصهيونى متناقضان ولا يمكن ان يتعايشا. ولكن السؤال: كيف نواجه هذا العدو بصورة تمكننا من التغلب عليه فى الواقع وليس فى الشعارات والخطب الحماسية فقط.