بقلم: عماد الدين حسين
97 عاما مرت على مولد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وأربعة أعوام مرت على وفاته.
يوم الخميس الماضى اجتمعت مجموعة صغيرة من محبيه وأصدقائه وتلاميذه للاحتفال بذكرى مولده «٢٣ سبتمبر» بدعوة كريمة من السيدة الفاضلة هدايت تيمور زوجة الراحل الكبير لإعلان وتوزيع جوائز مؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية، التى فاز بها الزميل العزيز أحمد سعيد حسنين من بوابة الأهرام، والصحفى العراقى المتميز أسعد زلزلى .
قرأت تقريبا معظم كتب هيكل. وأتذكر أن كتاب «خريف الغضب» جاء إلينا مهربا من الكويت عبر شقيق صديقى حمدى عبدالرحيم، وكنا نتبادل الكتاب وكأنه مواد خطرة.
ولم يكن هناك ندوة أو مؤتمر يشارك فيه إلا كنت حاضرا تقريبا. إضافة إلى متابعة مقالاته المتباعدة فى الصحف المصرية فى حقبة الثمانينيات. وأذكر أن أول يوم فى تجنيدى بالقوات المسلحة أول يناير 1987 فى مركز تدريب المشاة رقم 1 بالهايكستب، إننى اشتريت «أخبار اليوم» التى كانت بدأت تنشر له سلسلة مقالات مع بعض الشخصيات العالمية ومنها خوان كارلوس ويورى أندربوف وشواين لاى وأينشتاين.
لكن المرة الأولى التى سلمت عليه فيها يدا بيد، كانت مؤتمرا عن القطاع العام فى مصر والوطن العربى، بأحد فنادق وسط البلد. يومها طلبت منه أن ألتقط معه صورة فوتوغرافية. فرحّب فورا. كنت أنتظر طبع الصورة على أحر من الجمر، لكن المفاجأة السيئة أن الصديق المصور الصحفى عمرو أنس أخبرنى أنه لم يقم بضبط الفيلم كما ينبغى وأن «الصورة طلعت فى النقطة السوداء»!!!
حزنت كثيرا ولم يصدق معظم أصدقائى أننى تصورت مع هيكل، وتشاء الأقدار بعدها بعام تقريبا، أن قابلته فى مؤتمر آخر، وطلبت منه نفس الطلب. وهذه المرة كانت الصورة جيدة جدا، وظهر فى نفس الكادر الدكتور عبدالمنعم سعيد والصديق عمرو عبدالهادى ناصف، وكان وقتها مديرا لمكتب مجلة الشراع اللبنانية.
أعتبر نفسى محظوظا جدا، أننى عرفت هذا العملاق الصحفى عن قرب إلى حد ما، خصوصا فى السنوات الخمس الأخيرة من حياته.
أنا مدين لكثيرين أنهم جعلونى أقابل هيكل فى بيته خصوصا المهندس إبراهيم المعلم، الذى أتاح لى الفرصة الكبرى لمقابلة «الأستاذ»، وبعدها بدأ التواصل المباشر.
تواصلت مع هيكل كثيرا بصفتى الصحفية، خصوصا حينما كان يقابل كبار المسئولين، والمفاجأة السعيدة أننى ذات يوم وجدته يطلبنى للقاء. ذهبت إليه فى اليوم التالى مباشرة فى التاسعة صباحا بمكتبه الملاصق لسكنه فى الدقى.
كانت المرة الأولى التى أجلس فيها معه بمفردنا، سألنى عن الصحف وأحوال الصحفيين.
جلست أمامه، ويومها رأيت بعينى مدى دقته ونظامه. على المكتب حزمة أوراق متوسطة الحجم مدون عليها اليوم والتاريخ واسم الزائر أو الضيف، ثم مساحة كبيرة للملاحظات. هذه الطريقة تجعل الحياة شديدة التنظيم والسهولة فى استرجاع أى حدث، وبالتالى لا يمكن ترك أى شىء للرهان على الذاكرة فقط.
وفى مرة تالية كان يريد أن يسمع منى انطباعاتى عن لقاء مع مسئول مهم كنت التقيته أنا وبعض الزملاء قبلها بيوم.
فى مرة أخرى سألنى الأستاذ عن أحوال الشروق، وأتذكر أنه تفاجأ تماما حينما سردت عليه الصعوبات المالية والاقتصادية، التى يعانيها الصحفيون ليس فى الشروق فقط، ولكن فى غالبية الصحافة المصرية. يومها قال لى إذا كان من حق أى جريدة أو مؤسسة أو شركة تشغيل الناس، فالحق الأول عليها أن تعطيهم مرتباتهم أول كل شهر، وهو الأمر الذى لم يعد متاحا فى العديد من الصحف المصرية التى تشهد حالة غير مسبوقة من التقشف، والمؤكد أنها تنعكس على مستواها العام. فى معظم المرات التى كنت أذهب إليه فى مكتبه، كنت أجد شخصا مهما قادما أو مغادرا فى وقت محدد ومعلوم، وذات يوم قابلت فى مصعد العمارة شخصية عامة صارت مرموقة جدا فيما بعد.
كنت ضمن مجموعة من محبيه نذهب إليه دائما فى عيد ميلاده فى ٢٣ سبتمبر، خصوصا فى السنوات الست الأخيرة من حياته، كانت جلسة ممتعة تضم خليطا متنوعا من الخبرات فى مجالات مختلفة، وإن كان يغلب عليها كبار الكتاب والصحفيين.
ودرة التاج فى مكتبتى المتواضعة هى الأعمال الكاملة لهيكل، وهى أفضل هدية تلقيتها من المهندس إبراهيم المعلم ودار الشروق الناشر لكتب هذا العملاق الكبير.
رحم الله الأستاذ هيكل الموهوب والمبدع والفلتة الإنسانية والمفكر الموسوعى والمحلل والعاشق لمصر وللعروبة.