بقلم: عماد الدين حسين
«أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا»، هذه الحكمة تذكرتها عقب زيارة كل من الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد أبوالغيط، ثم وزير الخارجية سامح شكرى للعاصمة اللبنانية بيروت خلال الأيام الماضية تضامنا مع الشقيقة لبنان عقب الانفجار المهول فى ميناء بيروت الأسبوع الماضى.
أول مسئول يزور لبنان بعد الحادث كان هو الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الذى تعامل مع السياسيين اللبنانين بطريقة مهينة وقام بتوبيخهم علنا وأخبرهم أن أى مساعدات خارجية لن تكون عبرهم.
زيارة ماكرون ذكرتنا ضمن أشياء كثيرة غياب التواجد والتأثير العربى، حتى لو كان معنويا، ولذلك فإن زيارة كل من شكرى وأبوالغيط خطوة مهمة حتى لو تأخرت أياما.
ورغم كل المشكلات والانقسامات العربية فإن زيارة أبوالغيط كانت مهمة ورمزية وتبعث برسالة بأن الجسد العربى ما يزال ينبض.
أبوالغيط قال فى بيروت إن الجامعة ستقف إلى جانب لبنان وتدعمه بأكبر قدر ممكن ومتاح من الإمكانيات العربية.
وأضاف: «العالم العربى برمته يتفاعل بقوة مع لبنان، وأن لبنان يحتاج فى هذه المرحلة إلى التضامن حتى يمكن المضى قدما فى عملية الإنقاذ».
وحسب السفير حسام زكى الأمين العام المساعد فإن أبوالغيط التقى كبار المسئولين اللبنانيين، وأن الجامعة مستعدة لحشد دعم من خلال منظومة العمل العربى المشترك، يسهم فى مواجهة لبنان لتبعات هذه الكارثة، من مختلف الوجوه، مضيفا أن أحد الموضوعات التى أثيرت تتصل بالمناخ السياسى فى لبنان ككل فى ظل الاستقطاب الحاد الذى تعيشه البلاد والأزمة الاقتصادية المالية الهائلة التى تمر بها.
لكن الهوة ما تزال واسعة بين الفرقاء اللبنانيين فى هذه المسألة.
شكرى التقى أيضا كبار المسئولين خصوصا الرئيس ميشيل عون ورئيس البرلمان نبيه برى وجنبلاط، وتفقد بصحبة السفير ياسر علوى المستشفى الميدانى المصرى الذى يشمل ٦ عيادات رئيسية. وخلال الزيارة قال شكرى إن مصر تعمل على تلبية أولويات لبنان فى المحنة، وستوفر جسرا بحريا لإعادة إعمار بيروت إضافة إلى الجسر الجوى للمساعدة الإغاثية والإنسانية.
ومن الواضح أن عواصم عربية كثيرة شعرت بالحرج حينما رأت ماكرون يحط فى بيروت بعد ساعات من الانفجار، وشعرت بالحرج أكثر حينما شاهدته يتصرف وكأنه الحاكم الفعلى للبنان، وربما شعر البعض بأكثر من الحرج حينما طلب بنيامين نتنياهو أن يساعد لبنان، بل تجرأ على مخاطبة الأمم المتحدة لكى تساعده فى ذلك، رغم أنه هو وكيانه الغاصب أحد الأسباب فى الحالة المزرية التى وصل إليها لبنان.
وأظن أنه بسبب هدا الخرج فإن العديد من المسئولين العرب بدأوا يزورون بيروت فى الأيام الماضية، والعديد من الدول العربية أرسلت مساعدات إنسانية وطبية وإغاثية، وبعضها قدم تبرعات مالية معقولة.
لكن النقطة المهمة هى تراجع الدور العربى بصورة واسعة فى لبنان. ومثلما حدث فى سوريا فإن الأمر يكاد يتكرر فى لبنان. اللاعبون الرئيسيون المؤثرون فى سوريا ليس من بينهم طرف عربى. هم روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة.
وفى لبنان فإن التأثير الأكبر صار لإيران، وبدأت فرنسا تتحرك أخيرا، إضافة بالطبع للتأثير العسكرى الإسرائيلى الذى يوجه الضربات المنتظمة لإيران فى سوريا، كى لا تتمكن من إقامة قاعدة مستقرة هناك، على غرار ما فعلت مع حزب الله فى لبنان.
جيد أن يتحرك المسئولون العرب ويزورون لبنان لكن الأهم أن نسأل أنفسنا: لماذا فقدنا دورنا هناك؟ والأكثر أهمية أن نسأل: كيف يمكن استعادة الدور العربى، وهل هذا التراجع مقصور على لبنان فقط أم أنه سمة أساسية لكل الملفات والقضايا العربية؟!
القاعدة الأساسية تقول حينما تغيب عن مكان ما فإن هناك أطرافا أخرى تتقدم وتشغل مكانك، وهذا ما حدث حينما تداعى النظام العربى، فتجرأ الجميع علينا من الدول الإقليمية المحيطة ومعها القوى العالمية الكبرى.