بقلم: عماد الدين حسين
«لدينا فى شركة القلعة القابضة للاستثمارات أفكار ومشروعات نريد تنفيذها، ولدينا القدرة والإرادة والرغبة القوية للاستثمار فى مصر. فنموذج الشركة المصرية للتكرير، خير مثال بأن القطاع الخاص الوطنى لديه رغبة حقيقية فى المساهمة فى عملية البناء غير المسبوقة التى تشهدها مصر الآن، وأن يكون له دوره المكمل لما تقوم به الدولة من إنجازات».
الفقرة السابقة كانت ضمن كلمة الدكتور أحمد هيكل رئيس مجلس إدارة شركة القلعة ورئيس الشركة المصرية للتكرير، خلال حفل افتتاح مجمع التكسير الهيدروجينى فى مسطرد صباح الأحد الماضى، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكبار المسئولين بالدولة. هذا المشروع يعتبر نموذجا للعلاقة الصحية والصحيحة بين الحكومة التى تملك 34٪ منه، وشركة القلعة التى تملك ١٨٪ والباقى لجهات دولية وخليجية.
توقفت عند ما قاله هيكل، لأنى أراه مهما جدا على طريق إعادة إصلاح العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص.
دعونا نتفق أولا على أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يتقدم حال هذا البلد من دون جهد الجميع، أو على حسب تقدير خبير اقتصادى بارز فإن «الكل لازم يساعد ويزق».
اعتقاد البعض أن القطاع العام وحده يمكنه قيادة المجتمع لم ينجح، كما أنه لا يمكن بالمطلق ترك الأمور بأكملها للقطاع الخاص، لأن هناك مجالات لا يمكن لهذا القطاع أن يتحملها، وهناك من يتصور أننا ينبغى أن نقتدى ببعض التجارب الأوروبية أو العالمية فى هذا الصدد. هؤلاء لا يدركون فروقا كثيرة فى حكم التنمية والموارد والظروف والكفاءات والوعى. علما أن دولا كبرى كثيرة لديها قطاع عام قوى لكنه يدار بصورة صحيحة.
ثانيا: سرت اعتقادات فى الفترة الماضية أن القطاع الخاص «شر بالمطلق»، وهو أمر غريب فى ظل أن هذا القطاع يقود أكثر من ٧٠٪ من اقتصاد البلد. أصحاب هذه النظرة يخلطون بين عدد قليل من النماذج السيئة، وبين مئات الآلاف من المنتجين الحقيقيين، الذين يلعبون دورا مهما، فى توظيف العمالة والإنتاج من أول ورشة صغيرة توظف عاملا أو خمسة عمال، نهاية بمشروع ضخم مثل مجمع مسطرد باستثمارات تصل إلى ٤٫٣ مليار دولار.
ثالثا: علينا أن ندعم كل المنتجين، لكن فى نفس الوقت ينبغى التفريق بين مصنع شيبسى أو لبان، وبين مصنع يوفر لمصر ما تستورده من منتجات بترولية بنسبة تصل إلى ٤٠٪ سنويا. الأول ينتج سلعة استهلاكية غير ضرورية، وبالتالى ينبغى أن يدفع كل الجمارك والرسوم والضرائب كاملة، والثانى يدفع كل ما عليه، لكن على الدولة أن تدعمه وتشجعه بكل الطرق لأن مثل هذه النوعية من المصانع، هى التى تقود التقدم. والدعم الذى أقصده متنوع مثل تخفيض سعر الغاز للمصانع، وحتى يكون كلامى واضحا، أسارع فأقول إن المقصود بالتخفيض كى يصبح مساويا للسعر العالمى وليس أكثر منه كما هو حادث الآن. إضافة إلى ضرورة رد مستحقات المصدرين حتى يصدروا أكثر، وكان جيدا أن يطالب الرئيس الحكومة قبل أيام بسرعة تسوية هذا الملف.
ليس من مصلحتنا إغلاق أى مصنع لأنه ببساطة يوظف عمالة، لكن علينا التأكد من أنه يسدد ما عليه من ضرائب.
وإذا كانت الدولة تحتاج القطاع الخاص، فالأخير يحتاجها بشدة. ففى دولة شديدة المركزية والبيروقراطية مثل مصر، فإن غياب الدعم والمساندة، كفيل بـ«توقيف كل المراكب السايرة». وهناك نماذج كثيرة تكشف أن الوزير والوكيل والمساعد متعاونون جدا، لكن تكمن المشكلة فى موظف صغير يوقف كل شىء من أجل تأشيرة بالقلم الأحمر أو الأخضر!
النقاش الذى دار بين الرئيس السيسى ورئيس الوزراء ووزير البترول والدكتور أحمد هيكل ظهر الأحد الماضى، أتمنى أن يكون منطلقا لضخ مزيد من الدماء العفية فى شرايين العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص، ابتداء من المساهمة المجتمعية للشركات العامة والخاصة، نهاية بالتعاون الاستراتيجى فى إقامة المشروعات الكبرى.
الرئيس شكر أحمد هيكل على هذا المشروع العملاق، وأتمنى أن تصل الرسالة التى بعثها الرئيس لكل المسئولين فى الحكومة والجهاز التنفيذى، وهى ضرورة تشجيع القطاع الخاص المنتج على إقامة مثل هذه المشاريع العملاقة.
الدولة تبنى الكثير من المشروعات، لكن لن يكون لديها السيولة الكافية لبناء كل شىء. وعدد المستثمرين القادرين على إقامة مثل هذه المشروعات العملاقة لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، وبالتالى علينا أن نشجعهم فى إطار القانون، وأن نشجع آخرين على أن يكبروا ويتوسعوا، حتى نساعد كل منتج على التوسع فى مجاله بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطنى فى النهاية.