بقلم: عماد الدين حسين
فى الأسابيع الماضية انخفضت الأعداد التى تعلنها وزارة الصحة يوميا للمصابين بفيروس كورونا، ثم بدأت ترتفع قليلا.
وأغرب وأعجب تفسير لهذا الانخفاض، هو التزام الناس بالإجراءات الاحترازية وارتداء الكمامات، إضافة لإجراءات الحكومة.
هو غريب وعجيب لأننا نعلم جميعا أن معظمنا لا يلتزم بهذه الإجراءات.
بعضنا التزم بالإجراءات الاحترازية فى عز انتشار الفيروس وقوته، لكن كان هناك جزء لا بأس به أيضا لم يلتزم لأسباب كثيرة.
الالتزام كان أساسه ارتداء الكمامات أو عدم النزول للشوارع طالما ليست هناك حاجة لذلك، أو التقليل من النزول قدر المستطاع.
ولمن نسى، فإن قرار فتح الاقتصاد وعودة الحياة لطبيعتها تم اتخاذه بداية من شهر يوليو الماضى، فى الوقت الذى وصلنا فيه إلى ذروة الإصابات، وهو أمر استغربه كثيرون، لكن فى ظنى أنه لم يكن هناك مفر من اتخاذ هذا القرار، حرصا على الاقتصاد القومى ومصالح الناس التى لا يمكن للحكومة أن تتحمل جلوسهم فى البيت بلا عمل، كما أن بلدانا كثيرة غنية أو متوسطة أو فقيرة، اتخذت وقتها قرارات بفتح الاقتصاد، رغم كثرة الإصابات للأسباب نفسها.
المفارقة الملفتة للنظر أنه ومع بداية شهر أغسطس بدأت أعداد الإصابات تقل بصورة لافتة.
لماذا هى مفارقة غريبة؟!
لأن ذلك تم فى اللحظة التى قلت فيها أعداد المسحات التى تجريها وزارة الصحة، وبالتالى لم يكن هناك رقم دقيق لعدد الإصابات، التى لا يمكن معرفته إلا بزيادة أعداد الفحوصات وكذلك ملاحقة وعزل المخالطين للمصابين، وهو أمر توقفنا عنه تقريبا منذ شهر إبريل الماضى.
ثانيا: وزارة الصحة لم تعد تقبل كل المصابين بكورونا، بل أصحاب الأعراض الصعبة جدا خصوصا الذين لا يستطيعون توفير جهاز تنفس صناعى فى بيوتهم، ومن تقبلهم للعلاج يتم إخراجهم بعد خمسة أو سبعة أو عشرة أيام.
ثالثا: نتيجة للأجواء السائدة، فإن كثيرين من الذين أصيبوا فضلوا تلقى العلاج فى بيوتهم، حتى لا يتعرضوا للبهدلة فى بعض المستشفيات.
هل معنى ذلك أن وزارة الصحة لم تبذل جهدا؟!
إطلاقا، هى بذلت جهودا كبيرة، لكن فى حدود إمكانياتها المحدودة وحالات المستشفيات عندنا خصوصا الحكومية.
وبالتالى فإن لا أحد فى مصر، قدم تفسيرا علميا مقنعا لتراجع أعداد الإصابات لتصل فى أحد الأيام إلى أقل من مائة مصاب يوميا، وزيادة نسبة التعافى لتزيد على 78٪ وكذلك استقرار أو انخفاض نسبة الوفيات لتصبح فى حدود ٥٪ من عدد الإصابات.
تحدث البعض عن تراجع شراسة الفيروس وتحدث البعض عن تطعيم المصريين بطعومات مختلفة فى السابق خصوصا الدرن، وتحدث البعض عن يقظة كثير من الناس وارتدائهم الكمامة، وتحدث البعض عن دور وزارة الصحة وإجراءاتها، بل وتحدث البعض عن «العناية الإلهية»، وذهب البعض للقول «إن ربنا عارف ظروفنا وبالتالى فهو يرأف بحالنا» وكأن هذه العناية مختصة بمصر فقط أو أن الله سبحانه وتعالى لا يرأف بغيرنا من عباده!!.
ربما تكون كل الظروف السابقة مجتمعة، لكن مرة أخرى لا نعرف يقينا، لماذا تراجعت الإصابات بهذا الشكل، أما الغريب فهو أن الأعداد بدأت تزيد مرة أخرى فى الأسبوع الماضى لتقفز بنسبة تزيد عن مائة فى المائة مقارنة بالأسبوع الذى سبقه!.
وبالتالى فإذا صدقنا أن أعداد الإصابات تراجعت بفضل إجراءات وزارة الصحة وزيادة وعى الناس، فهل بدء زيادة الأعداد الآن يعنى أن إجراءات الوزارة قد تراجعت وتقاعست، وأن وعى الناس عاد للانخفاض؟!!!.
أنا أميل إلى ما قالته وزيرة الصحة د. هالة زايد قبل أيام بأن حدوث موجة ثانية من كورونا، يرتبط بالشعور الزائف بالأمان، لدى الناس بأن الوباء قد انتهى، مما يدفعهم إلى التراخى فى الالتزام بالإجراءات الاحترازية، خصوصا التباعد الاجتماعى وارتداء الكمامات.
هذا سبب جوهرى ومهم، لكن مرة أخرى أظن أن مشكلتنا الآن أننا كمواطنين وإعلاميين لم نعد نملك معلومات كافية وكاملة وذات مصداقية عن أعداد الفحوصات، وبالتالى أعداد المصابين وفئاتهم ونوعيتهم وعمرهم وأمراضهم ومناطقهم، ولماذا زادت الأعداد، ثم انخفضت، ثم بدأت تزيد مرة أخرى.
المعلومات والبيانات الكاملة هى المدخل الصحيح لمعرفة الواقع وبالتالى العلاج الصحيح.