حينما تتعارك وتتصارع الأفيال، فإن العشب يكون الضحية. ومن سوء الحظ فإن الشعوب العربية هى العشب، فى الصراع الدائر الآن فى المنطقة، وإذا اندلعت حرب بين إسرائيل وأمريكا من جهة، وإيران من جهة أخرى، فإن أكثر من سيدفع الثمن هم العرب بصفة عامة.
تخيلوا ــ لا قدر الله ــ إذا اندلع الحريق الكبير، وقررت إسرائيل أن تستدرج إيران إلى حرب، بحجة أنها تهدد أمنها انطلاقا من الأراضى السورية، فمن سيكون الكاسب ومن سيكون الخاسر فى هذه المعمعة؟!
الخاسر الأول فى هذا الصراع، سيكون الشعب السورى. هذا الشعب يدفع الثمن منذ انتفاضته التى بدأت سلمية فى مارس ٢٠١١، لكن الأشرار عسكروها، وكانت البداية، التى عصفت ليست فقط بسوريا، بل بكل المنطقة، بحيث جاءت كل القوى الكبرى إلى سوريا، وعاثت فيها فسادا، وماتزال تفعل حتى هذه اللحظة.
فى كل مرة يتصور السوريون أن لحظة نهاية المحنة، قد حانت، يفيقون على مأساة جديدة، تجعلهم ــ يبدأون من جديد، وكأنه مكتوب عليهم لعنة سيزيف الأبدية.
الخاسر الثانى هو الأمن القومى العربى بصفة عامة، فكلما استمر النزاع فى سوريا وعليها، سيعنى ذلك المزيد من الاستنزاف للأمة العربية فى مجالات متعددة من أول قتل وإزهاق الأرواح نهاية بتعطيل عملية التنمية مرورا بإهدار كل إمكانيات الأمة.
الخاسر الثالث هو تأجيل أى آمال فى وقف الاستبداد والتسلط فى المنطقة. لأن الصراع يعنى مزيدا من الفرص والمبررات للمتسلقين لتأجيل أحداث أى نوع من الانتقال إلى ظروف طبيعية.
الخاسر الرابع هو استمرار رهن الثروات العربية للقوى الكبرى خصوصا الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية.
وبالمنطق المعكوس فإن الكاسبون والرابحون من هذا الصراع يمكن تخيلهم بسهولة.
إسرائيل هى المستفيد الأول، لأن كل أهدافها تتحقق بأقل قدر من الجهد وأحيانا من دون جهد. هدفها الجوهرى بعد دمار سوريا، هو استنزاف إيران والقضاء على برنامجها النووى، ومنع إقامة أى تواصل برى بين طهران والجولان المحتلة عبر بغداد ودمشق.
تربح إسرائيل أيضا من اختلال خطير فى الأمن القومى العربى، بحيث صارت بلدان عربية مؤثرة ترى أن العدو الفعلى هو إيران، وليس إسرائيل، بل بدأت تتقارب بصورة متسارعة مع تل أبيب.
الرابح الثانى هو الولايات المتحدة خصوصا إدارة دونالد ترامب، الذى يغرف مليارات الدولارات من البلدان العربية، مقابل أن يقوم بحمايتها، أو يدعى ذلك، كما أنه يحقق وعودا لجمهوره وتياره المحافظ الذى يؤمن بكل الخرافات التوراتية، وتجلت أكثر ما يكون فى خطوة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس العربية المحتلة.
الرابح الثالث هو روسيا، حيث تمكنت عبر هذا الصراع من العودة للمنطقة وإقامة قواعد عسكرية، ليس فقط فى سوريا، ولكن فى بعض بلدان المنطقة. صحيح أن روسيا لعبت دورا مهما فى تحجيم نفوذ الجماعات المتطرفة خصوصا داعش والنصرة، لكن هى أيضا تمكنت من بيع صفقات سلاح كثيرة، وتجربة أسلحة أخرى وعززت نفوذها فى المنطقة.
الرابح الرابع نسبيا هى تركيا، التى استغلت الأزمة ووجهت ضربات قاسية للأكراد، ليس فى تركيا فقط، ولكن فى العراق ثم سوريا، حيث صارت تحتل جزءا من الأراضى السورية، خصوصا فى عفرين وتحاول إقامة منطقة نفوذ فى الشمال السورى لكنها خسرت نسبيا، وإنهار مشروعها إلى حد كبير حينما حلمت بتكوين وإعادة تأسيس الخلافة العثمانية عبر استغلال تيار الإسلام السياسى.
الرابح الخامس هو إيران حتى هذه اللحظة، فهى وعبر تحالفها مع بشار الأسد ودعمه عسكريا، تمكنت من تعظيم نفوذها فى سوريا بعد أن فعلت الأمر نفسه فى العراق ولبنان واليمن.
لكن هذا الربح غير مؤكد الاستمرار، ويتوقف على نتيجة الصراع مع إسرائيل فى سوريا أولا. وكذلك إلى أى مدى سوف تستمر الولايات المتحدة فى معاقبة طهران بعد انسحابها من الاتفاق النووى قبل أيام.
الرابح السادس هو شركات السلاح الغربية وكذلك شركات المقاولات الكبرى التى تشجع القتل والخراب والدمار، حتى تضمن حصة من إعادة الإعمار، وهو ما يعنى استنزاف كل الثروات العربية اولا بأول فى صراعات وحروب عبثية لا يستفيد منها الا اعداء هذه الامة!!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع