قولا واحدا ومن دون تبريرات أو تفسيرات أو حجج زائفة، ينبغى إدانة التحرش ضد النساء بصفة عامة، وأن تتم محاربة ذلك بشتى الوسائل، حتى يعود الجميع بشرا أسوياء، يحترم فيه الرجل المرأة كإنسان أولا.
الفقرة السابقة استمرار لحديث الأمس فى نفس المكان، وقد وضعتها قاطعة مانعة، حتى، لا يلومنى احد اولا أو يتصيد لى، وثانيا حتى يمكننى مناقشة الفكرة التى أراها جوهرية أيضا، وهى: إذا كان الجميع ولهم كل الحق فى مكافحة التحرش ضد النساء، ألا ينبغى أن نفكر أيضا فى حماية بعض الرجال من ابتزازهن بفكرة التحرش وهم منها أبرياء؟!
حركات وجماعات مقاومة التحرش تكسب أرضا جديدة كل يوم فى مختلف أنحاء العالم، خصوصا بعد الانتشار الواسع لحركة «Me Too» أو «أنا أيضا» التى ظهرت عقب فضيحة منتج أو «وحش هوليوود» الأشهر هارفى ونستين.
لا أحد يشكك إطلاقا فى وجود خريطة تحرش واسعة تغطى مناطق كثيرة فى العالم، ولا ينفى إلا أعمى وجود «حيوانات بشرية» ذكورية تتعامل مع المرأة باعتبارها سلعة أو أداة جنسية للمتعة العابرة، يعطون لانفسهم الحق فى التحرش بها وانتهاكها فى كل لحظة!!
لكن فى المقابل هناك مخاوف كثيرة بدأت تظهر من استغلال بعض السيدات لهذا السلاح الفتاك لتشويه سمعة الكثيرين أو لابتزازهم، خصوصا إذا كانوا من الشخصيات العامة.
إحدى المشكلات الكبيرة فى قضية التحرش، أنه يصعب فى بعض الأحيان اثباتها، وهو ما يعرض المرأة لظلم كبير، لكن فى المقابل فإن ذلك أيضا، قد يعرض المتهمين الرجال لظلم أكبر، إذا كان الأمر يتم فقط بغرض الابتزاز أو التشويه أو السير فى ركاب القطيع العام، لان الرأى العام فى هذه الحالة سوف ينسى من المخطئ، ومن البرىء، وسوف يتذكر فقط ان هناك رجلا تم تلطيخ سمعته وسمعة اسرته باعتباره «وحشا كاسرا»!!
شخصيا مستعد لتصديق أنه من بين كل مائة حالة تحرش، هناك تسعون حالة حقيقية، أى تسعون متهما من الرجال. هؤلاء تكلمت عنهم بالأمس، وأدنت سلوكهم امس واليوم بلا حدود. اليوم حديثى ينصب على العشرة فى المائة من الرجال المظلومين.
ببساطة لأنه من مطالعة بعض القصص الكثيرة المنشورة عن التحرش فى العديد من بلدان العالم المختلفة، يتبين احيانا أن جزءا منها ــ وهو بسيط ــ لم يكن صحيحا أو دقيقا، وكان هدفه التشويه. حينما طالعت القصص من وجهة نظر الفتيات أو السيدات تعاطفت معهن جدا، لكن وبعد مطالعة ما قاله المتهمون الرجال، ومقارنة القصتين، يتبين أن الأمر لم يكن أبيض وأسود أو ذئبا مقابل فريسة أو طريدة، بل كان مشوشا ومتداخلا.
فى بعض الحالات لم تكن الفتاة تعرف ما هو التحرش، وفى مرات أخرى كانت تريد الإساءة للطرف الثانى، وفى مرات ثالثة كانت تجارى الموجة العامة التى انتشرت بكثرة فى الشهور الأخيرة.
أرجو ألا يفهم كلامى على أنه محاولة للسباحة ضد التيار، أو التماس أى عذر للمتحرشين. بل هو فرصة للتوسع فى عمليات التوعية والتثقيف لكل المجتمع، حتى يعرف الجميع، ما هو التعريف الحقيقى للتحرش، وكيفية مواجهته.
المسألة ليست قانونية فقط، وواهم من يتخيل انه سيتم القضاء على التحرش بمجرد تشديد القوانين. والدليل أن القوانين مشددة ومفعلة فى العديد من بلدان العالم، وبعضها متقدم جدا مثل امريكا، ورغم ذلك فان الظاهرة لم تتوقف.
الأهم فى هذا الأمر، بجانب تشديد القوانين هو البيئة المحيطة والثقافة العامة، وتعظيم القيم الدينية الموجودة فى كل الأديان فيما يتعلق بالنظرة إلى السيدات، وأن يتكاتف الجميع للقضاء عليها. لكن ومرة أخرى فلابد أن يتم ذلك بصورة عادلة وشاملة للمجتمع بأكمله، بحيث لا يتم استخدامها لابتزاز بعض الرجال، «عمال على بطال».
الموضوع ليس سهلا، وشديد التعقيد، ويحتاج إلى حراك مجتمعى على مستوى العالم، حتى يتم القضاء على الظاهرة، أو على الأقل الحد منها، على اعتبار أن القضاء عليها ليس متصورا فى الأمد القريب، باصدار قانون، أو بجرة قلم!!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع