بقلم: عماد الدين حسين
إذا كانت الولايات المتحدة ودول أوروبية كثيرة تشكو من تدخلات روسية وصينية محتملة فى الانتخابات أو فى التأثير على الرأى العام فيها، فهل من الغريب أن يكون هناك محاولات أجنبية متنوعة للتأثير فى الرأى العام المصرى؟!
أطرح هذا السؤال بعد إعلان إدارة الفيسبوك يوم الأربعاء الماضى أنها فككت شبكة روسية صغيرة من الحسابات والصفحات، كانت تهدف للتأثير فى الرأى العام الأمريكى والبريطانى والمصرى والجزائرى.
تفاصيل الخبر الغريب أن الشبكة كانت على صلة بوكالة أبحاث الإنترنت الروسية، التى تربطها علاقة قوية بالحكومة الروسية، ومتهمة بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية عام ٢٠١٦.
وحسب الـ«بى بى سى» فإن العملية الروسية كانت تعمل من خلال الموقع الاخبارى «بيسداتا» الذى ينشر محتواه بالإنجليزية والعربية. وحسب إدارة الفيسبوك فإن العملية حققت نجاحا محدودا، حيث لم تنجح إلا فى جذب ١٤ ألف حساب فقط، فيما بلغ عدد متابعى الصفحة الإنجليزية ٢٠٠ متابع، وإنه يمكن ربط هذه الشبكة بمؤسسات حكومية روسية.
إدارة الفيسبوك قالت إنها حذفت ١٣ حسابا وصفحتين، كانت تستهدف القضايا الجدلية فى عدة دول منها مصر، وإنها أوقفت ٥ حسابات لأنها انتهكت قواعد العمل.
حسب المحقق الأمريكى الخاص روبرت مولر فإن روسيا تدخلت فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح حملة ترامب، لكنه لم يجد دليلا على التآمر من قبل الحملة.
مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى كريستوفر راى، يعتقد أن المحاولات الروسية لنشر المعلومات المغلوطة على مواقع التواصل الاجتماعى، لم تتوقف أبدا، لكنها لم تعد بنفس النطاق الذى كانت عليه وقت انتخابات ٢٠١٦.
لا أعرف إذا كان كلام إدارة الفيسبوك أو الـ«إف بى آى» صحيحا أم لا، علما بأن روسيا تنفى دائما تدخلها فى الانتخابات الأمريكية.
لكن من الواضح أن غالبية الدول تسعى لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعى وسائر أدوات التكنولوجيا لتحقيق وتعظيم مصالحها السياسية والاقتصادية.
وإذا كانت روسيا تحاول التأثير فى الرأى العام الغربى أو الشرقى، فالولايات المتحدة وبلدان أوروبية عدة تفعل ذلك، لكن بطرق مختلفة.
ما يستغرب له المرء هذه الأيام أن الشكوى تأتى دائما من بلدان أوروبية وأمريكا من التدخل الروسى، رغم أننا عشنا عقودا طويلة كان فيها التدخل يحدث غالبا من طرف واحد وهو الغرب ضد الشرق.
الذين تابعوا الحرب الباردة، عقب الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥، وحتى سقوط جدار برلين عام ١٩٨٩، يدركون أن التدخل الغربى عموما والأمريكى خصوصا بطرق مختلفة إعلاميا وفنيا وثقافيا وسياسيا ومخابراتيا، كان هو الطريق الرئيسى لتفكيك الاتحاد السوفييتى أوائل التسعينيات من القرن الماضى.
الآن صارت روسيا هى الأكثر قدرة وتأثيرا فى الداخل الأمريكى والأوروبى، بل ويقال إن الصين انضمت إليها فى الفترة الأخيرة، رغم أنه من المفترض أن الغرب هو الذى يملك اليد الطولى تكنولوجيا وعلميا.
أعود إلى الشبكة الروسية التى كشفتها وفككتها إدارة الفيسبول وأسأل: إذا كان هدفها التأثير فى الانتخابات الأمريكية بعد شهرين من الآن، فما الذى كانت تحاول أن تفعله فى مصر.
البعض سوف يستعجب ويقول ما الذى يدفع روسيا للتأثير فى الرأى العام المصرى رغم أن البلدين صديقان وتربطهما علاقات وثيقة منذ سنوات طويلة جدا؟!
السؤال منطقى نظريا، لكن فى عالم السياسة لا يوجد شىء منطقى، والدليل أن إسرائيل التى تعيش عالة على الولايات المتحدة، حاولت أكثر من مرة ليس فقط التأثير عليها بل والتجسس عليها وسرقة أسرارها، كما حدث مع الجاسوس المعروف جوناثان بولارد الذى جندته إسرائيل لخدمة مصالحها وخيانة بلاده قبل عقود.
فى عالم السياسة كل دولة تعمل بالمنطق الميكافيللى، وتحاول التأثير فى كل محيطها، بل فى كل العالم إذا استطاعت، وبالتالى فالمنطق يقول إنه إذا اعترفنا بأن روسيا تحاول التأثير فى أمريكا وأوروبا، فما الذى يمنع وجود محاولات مماثلة من أمريكا وأوروبا وإسرائيل للتأثير على الرأى العام العربى بأكمله.
وبالتالى إذا صدقنا التدخل الروسى فى أمريكا وأوروبا وكل العالم، فما الذى يمنع وجود محاولات مماثلة من الغرب والشرق للتأثير على الرأى العام العربى بأكمله، وبالتالى فما الذى يمنعنا أن نفكر فى وجود حروب الجيل الرابع أو الخامس التى نسمع عنها كثيرا ولا يصدقها الكثير منا ؟!.
تقرير الفيسبوك الأخير يفترض أن يلفت نظرنا إلى ضرورة، أن نكون حذرين جدا، ونحن نطالع العديد من الأخبار والتقارير والتحليلات المصنعة فى الشرق أو الغرب أو حتى موزمبيق!!.