بقلم: عماد الدين حسين
هل وصلنا إلى مرحلة لم نعد نفرق فيها بين الثورة الشعبية أو حتى الانتفاضة، وبين اللقطة التليفزيونية العابرة؟
يبدو أن الإجابة هى نعم، أو على الأقل نحن فى الطريق إلى ذلك. فى الماضى كان أساتذة العلوم السياسية يضعون القواعد والتعريفات لكل مصطلح، أما الآن فإن وسائل التواصل الاجتماعى والتطبيقات التكنولوجية المتعددة وسائر التقنيات الحديثة واللجان الإلكترونية المختلفة، صارت «تزن وتلح» على المشاهدين والقراء، بحيث لم يعد هناك فرق بين الثورة وبين خروج مجموعة من ٥٠ أو ٥٠٠ شخص فى مظاهرة لمدة خمس دقائق!
جماعة الإخوان ومعها المقاول الهارب محمد على دعت المصريين للتظاهر والثورة على حكومتهم ونظامهم يوم ٢٠ و٢٥ سبتمبر الماضى. المصريون لم يلتفوا إلى هذه الدعوات، ومن بين مائة مليون مصرى هم سكان البلاد لم يخرج إلا المئات فى بقع متناثرة وفى أماكن نائية فى قرى أو على أطراف المدن، وهذا موضوع مهم سأعود إليه مرة أخرى. لكن جماعة الإخوان اخترعت شكلا جديدا من التظاهر يتلاءم مع عصر التكنولوجيا، تريد عبره تثبت واقعا على الأرض غير موجود نتيجة صورة فضائية عابرة.
الجماعة كانت قادرة على الحشد والتعبئة الجماهيرية قبل ثورة يناير ٢٠١١ وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣. بل ظلت قادرة على الحشد حتى فض اعتصامى رابعة والنهضة فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣. وربما بعد هذا التاريخ بأسابيع، بعدها بدأت الأجهزة الأمنية تأخذ زمام المبادرة، وتوجه ضربات متنوعة للجماعة أفقدتها غالبية قوتها.
لكن الجماعة لجأت إلى حيلة غريبة بعد أن عجزت عن الحشد الكامل لعناصرها وهى أن عددا صغيرا من أنصارها يخرجون فى مظاهرة لمدة تتراوح بين دقيقة وخمس أو عشر دقائق فى أى شارع جانبى بأى مدينة، والأهم فى المظاهرة هو تصويرها بالموبايل، وإرسالها للمواقع الإخوانية. وقتها كانت فضائيات الجماعة تقسم الشاشة إلى خمسة أو عشرة أقسام، وتكتب فيها أماكن المظاهرات التى انطلقت فى هذا اليوم.
ما الذى سيصل إليه من يشاهد هذه اللقطات؟!
الرسالة الأولى أن الجماعة قوية وقادرة على الحشد والتأثير فى أكثر من مكان، عضو الجماعة والمتعاطف معها، ستصله رسالة أن جماعته لا تزال قوية، وبالتالى لن يصاب باليأس. أما غير المصريين الذين سيشاهدون هذه اللقطات، فسوف يتأكدون أن الجماعة لا تزال مؤثرة. هم جميعا لن يسألوا كما استغرق وقت التظاهر، ما يشغلهم أنها حدثت.
ثم إن التكنولوجيا الحديثة قادرة على توسيع وتضييق زاوية الكاميرا، والمظاهرة التى يخرج فيها خمسون شخصا، يمكن الإيحاء للمشاهد بأنها تضم آلافا، فى حين أن تكبير الكاميرا على مظاهرة بها ألف شخص، قد تبدو قليلة جدا وغير مؤثرة.
فلسفة وأسلوب وسياسة «اللقطة» صارت نمطا متكررا فى فكر وعمل جماعة الإخوان طوال السنوات السبع الماضية. ومن الواضح أن الرسالة من وراء هذه الطريقة تستهدف أولا أعضاء الجماعة وجعلهم متماسكين، ثم مخاطبة الأطراف التى تقوم بالتمويل والمساعدة والإيواء، سواء كانت دولا أو أجهزة مخابرات.
دارسو العلوم السياسية يعرفون جيدا شروط الثورة، قياسا على الثورات الكبرى فى التاريخ، لكن من الواضح أن المعايير صارت أكثر اختلالا، بحيث أن كل مظاهرة من ألف شخص، البعض يطلق عليها ثورة، مثل مصطلح «الملوينية» الذى ابتذله البعض فى مصر بعد ثورة ٢٥ يناير العظيمة، وأصبح يطلق على مائة شخص يعارضون أى شىء ولو حتى ارتفاع أسعار الليمون.
بتُّ مقتنعًا إلى حد كبير أن المعركة الراهنة تدور فى الفضاء الإلكترونى إلى حد كبير، وليس على أرض الواقع، وبالتالى لم يعد مستغربا أن نرى كل هذا الجدل ومحاولة إسقاط الافتراضى على الواقعى.
تعتقد جماعة الإخوان أن النجاح فى الحرب الإعلامية الإلكترونية والافتراضية، يمكن أن يتحول إلى واقع فعلى، مستندة فى ذلك إلى أن الإعلام خصوصا الرقمى صار يملك قوة جبارة مؤثرة تغير أنظمة وتسقط رؤساء فى أكبر الدول الديمقراطية. وربما يفسر لنا هذا الأمر لماذا تنفق الأحزاب والقوى والأجهزة والدول فى العالم كله مليارات الدولارات على وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية.