بقلم: عماد الدين حسين
هل جرائم التعديات على أراضى وحقوق الدولة والبناء العشوائى تسقط بالتقادم شأن بعض الجرائم، أم أنها حق لابد أن يعود للدولة مهما طال الزمن أو قصر؟!
هذا السؤال صار يتردد بكثرة فى الفترة الأخيرة، وخصوصا بعد اللهجة الغاضبة التى تحدث بها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال افتتاحه بعض المشروعات القومية يوم السبت الماضى بالإسكندرية.
هناك جدل حقيقى فى الشارع المصرى بصدد هذه القضية، وبالطبع فإن كل المخالفين لا يرون أنهم مخالفون، ويسوق معظمهم حججا وتبريرات كثيرة للتدليل على صحة موقفهم، وأهمها أن أبواب التقنين القانونى انسدت فى وجوههم، وأن بعض الموظفين زينوا لهم طريق الشيطان، وأنهم دفعا أموالا كثيرة نظير تمرير هذه المخالفات، وبالتالى لا يصح أن تأتى الدولة الآن وتطالبهم بالمقابل، وكأنهم اشتروا الأرض بأسعار هذه الأيام.
يندر أن تجد شخصا مخالفا يقر بأنه خالف القانون، وأنه أخذ حق غيره أو حق الدولة، أو بنى بيتا على أرض زراعية خصبة حتى لو كانت ملكا له.
تلك هى وجهة نظر المخالفين، فى المقابل فإن الدولة تقول إنها تطبق القانون، وتحارب الفساد الذى يشكو منه الجميع، وإن الكثير من الناس يتهمون الحكومات طوال الوقت بأنها تعيق محاربة الفساد، وبالتالى فحينما تفعل ذلك وتطبق القانون، فلا يصح أن تظهر أصوات تلومها على ذلك، بل وتتعامل معها باعتبارها ظالمة للمخالفين وقاسية عليهم.
وبالتالى فعلى جميع المخالفين أن يوفقوا أوضاعهم، ويعيدوا حقوق الدولة كاملة غير منقوصة.
أخشى أن أقول إنه فى عالم السياسة فإن كلتا وجهتى النظر خاطئتان، لأن هناك مواءمات وموازنات، تنظر للتطورات والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتنظر أيضا إلى عامل التوقيت وأهميته. وبالتالى فكل حدث أو قضية أو مسألة مهمة، ينبغى التعامل معها فى إطار مجموعة كبيرة من العوامل أو السياق العام المحيط بها والمؤثر عليها.
لا أحد يمكن أن يلوم الدولة أو ينتقدها، حينما تحاول تطبيق القانون ومحاربة الفساد، ووقف التعدى على أملاك الدولة، أو تحصيل حقوقها. لكن أيضا ينبغى أن يتم ذلك فى إطار من المرونة، بحيث لا يتسبب تطبيق القانون فى عواقب أصعب وأقسى، وقد أشرت إلى هذا المعنى فى مقالين سابقين فى هذا المكان يومى 2 و3 أغسطس الماضى بعنوان «القضية العادلة والمعالجة الخاطئة» ثم «خطورة إغضاب قطاعات كثيرة فى وقت واحد».
من حق رئيس الجمهورية أن يطالب بتنفيذ القانون، ومن حق القائمين على أمور التنفيذ أن يقدموا له الصورة الكاملة على أرض الواقع.
مثلا، وإذا افترضنا أن غالبية المصريين مخالفون بطريقة أو بأخرى، ويفترض أن يسددوا حقوق الدولة، فهل الظرف الراهن اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا يساعد على ذلك، وإذا ساعد فما هى المهلة الزمنية المطلوبة لتحصيل حق الدولة؟
يشكو كثير من المصريين أنهم دفعوا الكثير من الرسوم فى الفترات الأخيرة، فى ظل أوضاع اقتصادية صعبة، خصوصا مع تداعيات كورونا، وأنهم يستيقظون كل صباح على رسوم أو زيادات جديدة فى مجالات لم يتخيلوها، وبالتالى فإنهم يشعرون بالعجز، حينما يتفاجأون بأنه مطلوب منهم سداد مبالغ كبيرة نظير المخالفات.
وربما يفسر ذلك انخفاض عدد المتقدمين لتسديد مبلغ جدية التصالح فى المخالفات، وهناك تقديرات بأنه لم يزد على ١٠٪ من إجمالى عدد المخالفين.
اقتراحى هو ألا تتراجع الدولة عن تطبيق القانون فى هذه المسألة تحت أى ظرف من الظروف لأنها قضية لا تسقط بالتقادم من وجهة نظرى، لكن عليها أن تبحث فى إمكانية التسهيل على المخالفين فى سداد ما هو مستحق عليهم، خصوصا الذين يعانون ظروفا صعبة، بسبب مجمل الأوضاع الصعبة، وتداعيات انتشار فيروس كورونا.
هناك أيضا نقطة فى غاية الأهمية وهى طريقة التنفيذ والخشونة التى تصدر من بعض القائمين بالتنفيذ، مما يؤدى إلى حدوث فجوة بين المواطنين والدولة، تستغلها الجهات المعادية بمهارة شديدة وتلعب عليها، وتلك نقطة تستحق مزيدا من النقاش، حتى لا تتسبب فى تداعيات أسوأ.