خلال أيام يفترض أن يتم رفع أسعار الوقود والكهرباء وبعض الخدمات، وبالتالى سترتفع أسعار العديد من السلع. لا اناقش اليوم مضمون الزيادة، فقد فعلت ذلك أكثر من مرة فى الأيام الماضية.
اليوم أتحدث عن طريقة التعامل مع الأمر. وأسوأ سيناريو متوقع أن يخرج البعض بحسن نية أو جهل ليقول إن بعض المصريين يرحب بقرارات رفع الأسعار!!!.
هذا الفريق يمكن أن نطلق عليه ــ من دون أن نتجنى ــ الدببة التى قد تتسبب فى قتل أصحابها أو الإساءة إليهم وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا!.
فى الفترة الأخيرة قرأت لنماذج تنتمى لهذا الفريق، يتحدثون بسذاجة منقطعة النظير، ليحاولوا إقناعك أن بعض الفقراء سيرحب سعيدا ومبسوطا بقرارات رفع الأسعار.
منطقيا، فإن الرفع المتوقع للأسعار سيصيب الجميع بآثاره السلبية، بمن فيهم الأغنياء، وبالتالى فالحل ليس أن نقول إن الناس سعيدة برفع الأسعار، بل بمحاولة إقناعهم بأنه لا يوجد بديل عن هذا القرار الصعب.
فى الصيف الماضى وعقب رفع أسعار الوقود فى يوليو الماضى ــ على ما أتذكر ــ قابلت رجل أعمال وفنانا على هامش مؤتمر فى شرم الشيخ.
رجل الأعمال قال لى: «بالطبع سوف أتأثر بالقرار لأن تكلفة الإنتاج فى مصانعى ستزيد، والعمال والموظفون سيطالبون بزيادة رواتبهم، لمواجهة التضخم المتوقع، وبالتالى فأنا مضطر أن أدفع لهؤلاء ولو لتعويض نسبة قليلة من الزيادة للموظفين».
لكن الرجل للأمانة قال لى يومها إنه يؤيد بصورة حاسمة قرار تخفيض الدعم عن الوقود؛ لأن الدعم ــ من وجهة نظره ــ كان السبب الجوهرى فى معظم التشوهات التى أصابت الاقتصاد المصرى فى السنوات الماضية، خصوصا العجز المستمر فى الموازنة العامة، والحكومات كانت تشترى صمت المواطنين، وبدلا من وضع سياسات صحيحة، تدعم الإنتاج فإنها كانت تسحب على المكشوف، وتؤجل عملية الإصلاح بحيث تتحملها الأجيال المقبلة».
هذا ما قاله رجل الأعمال، وفوجئت بأن الفنان الكبير الذى قابلته فى نفس المؤتمر، كان أيضا غاضبا، وعندما سألته عن السبب، رغم أنه يتقاضى عدة ملايين فى الفيلم أو المسلسل الواحد، فإنه قال لى إنه مضطر لزيادة رواتب كل العاملين المحيطين به، من السائق إلى الطباخ وعامل الحديقة وحارس الفيلا، وفواتير الكهرباء والغاز والمياه، ناهيك عن البنزين للسيارات.
هو مثل رجل الأعمال يؤيد قرار خفض دعم الوقود حتى ينصلح حال اقتصاد البلد، حسب تعبيره، لكنه لا يمكنه أن يخرج ليعلن أن الفقراء سعداء بقرارات رفع الأسعار!!.
إذا كان رجل الأعمال والفنان ومن فى مستواهم لا يمكنهم أن يقولوا إنهم سعداء بالقرار، فهل نتوقع من بعض الفقراء أو المتضررين أن يعلنوا عن ذلك؟!.
بالطبع الإجابة هى لا، وبالتالى فمن حق الحكومة وأنصارها أن يدافعوا عن قرار الزيادة المتوقع، لكن من المهم أن يختاروا الطرق المثلى لشرح أسباب ذلك، وأن تكون منطقية ومقنعة، وليس بهذه الطريقة الصادمة واحيانا الفجة.
رأينا رد فعل الكثيرين على تصريح أحد المسئولين بجمعية خيرية، حينما قال إنه لا يوجد فقراء فى مصر، رغم أن البيانات الرسمية تقول إن عدد الواقفين تحت خط الفقر يقترب من ٣١٪ من المصريين. ورأينا ردود الفعل الغاضبة على كل من خرج ليقول إن المصريين يرحبون بزيادة الأسعار.
إذا كان هناك ١٪ أو حتى ٢٠٪ من المصريين يرحبون بذلك، فهناك ٨٠٪ آخرين غير سعداء.
لو كنت مكان الحكومة لتوقفت فورا عن الاستماع لـ«حزب الدببة»، ولطلبت منهم أن يوفروا نظرياتهم الساذجة، ويجتهدوا فى أن يشرحوا للمواطنين، الواقع الصعب جدا للاقتصاد المصرى، وضرورة إصلاح مواطن الخلل، وأنه إذا كانت الحكومة سترفع أسعار الطاقة، فإنها فى المقابل ستزيد من حجم شبكة الحماية الاجتماعية خصوصا للموظفين ومحددوى الدخل، مثل المخصصات التموينية وبرنامجى تكافل وكرامة والضمان الاجتماعى واحتمال صرف علاوة غلاء، إضافة لضرورة محاربة الفساد بلا هوادة، وضمان تحصيل الضرائب من القادرين، واسترداد حقوق الدولة المهدرة خصوصا من حيتان الأراضى، الذين استولوا عليها بلا سند من القانون.
مطلوب من الحكومة أن تطلب من كل مسئوليها وإعلامييها والمدافعين عنها أن يجتهدوا فى إقناع الناس بالأسباب المحتمة للزيادة، من دون أن يجرحوا مشاعر الفقراء ويدّعوا أنهم أو حتى بعضهم سعداء بزيادة أسعار الوقود!!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع