فى الجولة الميدانية للوفد الصحفى فى مجمع سجون طره، صباح الإثنين الماضى، كان كل شىء يبدو نموذجيا وملمعا. قبل نهاية الجولة بقليل سألت اللواء هشام عز العرب مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون السؤال الآتى:
بأى نسبة يتوافر هذا النظام والنظافة فى الأيام العادية داخل السجون؟! الرجل استغرب سؤالى وكررته مرة ثانية بقولى إنه من المنطقى أن تكون الأمور كلها نموذجية اليوم، لأن هناك جولة ومؤتمرا وضيوفا على غرار الفيلم الكوميدى «الوزير جاى» للعبقرى الراحل أحمد رجب!
الرجل أجاب بوضوح وبجدبة بأن هذا هو النظام اليومى الموجود دائما، بل إن السجون الجديدة مثل جمصة والمنيا صارت أفضل لأنها أكثر حداثة.
مساعد الوزير، وردا على ما يثار عن وجود معاملة سيئة للمساجين، قال خلال اللقاء مع الصحفيين: «لا مكان بيننا فى القطاع لمن لا يلتزم باحترام القانون وقيم ومبادئ حقوق الإنسان، وصون كرامتهم، ونحن فى أداء عملنا لا نخشى إلا الله».
شخصيا لم نر خلال جولتنا، أى مساجين فى قضايا سياسية. رأينا فقط بعض المساجين الجنائيين، كانوا يلعبون كرة القدم وتناقشنا معهم وقالوا إنهم لا يعانون من أى مشاكل. كنت أتمنى أن تشمل الجولة مساجين من كل الفئات، وأن يتاح لنا مناقشتهم، وأتمنى أن يحدث ذلك فى مرات مقبلة.
المساعد قال أيضا إن اعنف قرارات اللواء محمود توفيق وزير الداخلية تكون موجهة ضد أى ضابط أو جندى يسىء معاملة المواطنين أو المساجين. وكل ما يقال عن سوء المعاملة بالسجون هو افتراءات، خصوصا فى ظل السياسة العقابية الحديثة التى تشمل أوجه الرعاية الشاملة وحقوق الإنسان، وتقوم أساسا على مفهوم إعادة تأهيل المساجين لدمجهم مرة أخرى فى المجتمع بعد خروجهم.
هو يضيف، أن أى مسجون موجود إما بقرار من النيابة أو بحكم من المحكمة، وأى شكوى للسجناء أو أقاربهم يتم فحصها بواسطة الإدارة، وبتنسيق مع النيابة ومجالس حقوق الإنسان والمرأة والطفل.
فكرة فحص الشكاوى أكد عليها أيضا اللواء هشام يحيى الذى قال إننا ننسق بصورة دائمة مع المجلس القومى لحقوق الإنسان، وهناك تعديل فى لائحة السجن تعظم حقوق الإنسان للمساجين، خصوصا فيما يتعلق بعملهم ومأكلهم، كما أن هناك لجانا ميدانية تقوم بزيارة أماكن الاحتجاز بأقسام الشرطة.
ما سبق هو وجهة نظر مسئولى السجون، وبالتالى فالسؤال المنطقى هو: إذا كانت الصورة وردية كما يقول مسئولو السجون، فما الذى يجعلها سوداوية فى نظر غالبية أهالى السجناء، ومنظمات حقوق الإنسان وبعض وسائل الإعلام الأجنبية؟!
وجهت هذا السؤال لأكثر من شخص. أحدهم قال لى: عليك أن تسأل قادة الإخوان المسجونين فى سجوننا عن نوع المعاملة! وقال آخر أرجو أن تعود إلى ما كتبه أخيرا الدكتور ناجح إبراهيم الذى كان مسجونا منذ عام ١٩٨١ فى قضية اغتيال السادات، وأكد أكثر من مرة أن المعاملة كانت طبيعية وعادية، رغم أن المعارضة وصحفها والمنظمات العربية والأجنبية كانت تصور السجون وكأنها مسالخ بشرية! ثم يسأل مجدداً: ألا يحتمل أن تكون الأمور الآن هى نفسها التى كانت موجودة وقتها؟!
قلت له كل شىء محتمل لكن أتمنى أن تكون هناك شفافية أكثر وأن تتاح الفرصة لوسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية المستقلة بزيارة السجون حتى ترى الصورة على الحقيقة، وليس فقط ملاعب الكرة والمطابع وورش النجارة والحدادة ومزارع النعام.
شخصيا لا أصدق كثيرا ما تقوله بعض المنظمات الحقوقية الدولية، وفضائيات لا تخفى أهدافها، رغم أهمية تفنيد ما تقوله لكن يشغلنى أكثر ما يكتبه أهالى وأقارب وأصدقاء بعض المقبوض عليهم من شقاء ومعاناة وانتظار طويل.
أتمنى أن تدرس وزارة الداخلية هذه الشكاوى بسرعة وتوجه بحلها فورا، خصوصا تنظيم مواعيد الزيارة وتسهيل إدخال الأطعمة والأموال والأدوية والملابس، بما لا يخالف لوائح السجون.
قرأت على وسائل التواصل الاجتماعى قصصا وحكايات لأناس أعرفهم شخصيا، واجهوا مشاكل كثيرة فى هذه الأمور.
ليس عيبا أن يكون هناك ضابط أو جندى أو أمين شرطة مخطئ، طالما أنها ليست فلسفة وزارة بأكملها. نحن هنا لا نتحدث عن الأكل والشرب والتريض وهى أمور جوهرية. ولكن نتمنى أن تقضى وزارة الداخلية على البيئة والتربة التى تشجع على أى انتهاك للمساجين وخصوصا للمحبوسين احتياطيا، لأنهم الملف الأكثر نزفا!