بقلم: عماد الدين حسين
أحد الأصدقاء اتصل بى معلقا ومعاتبا عما كتبته فى هذا المكان، وقلته فى العديد من الفضائيات بشأن الانفجار الذى دمر ميناء بيروت الأسبوع قبل الماضى.
وجهة نظر الصديق أننى كنت شديد الانتقاد للنخبة السياسية اللبنانية الحاكمة والمتحكمة فى لبنان، وأننى كان ينبغى على أن أفعل ذلك مع كل النخب الحاكمة العربية الفاسدة المتشابهة التى تتجبر على شعوبها، ولا يصح أن أنتقد فقط النخبة اللبنانية وأترك بقية الحكومات.
وجهة نظر الصديق تبدو للوهلة الأولى منطقية وعقلانية، ولكن فى تقديرى ــ وربما أكون مخطئا ــ فإن الحالة اللبنانية لا يوجد لها مثيل عربيا وربما حتى عالميا!.
أولا: أزعم أننى أنتقد ما أراه سلبيا فى أى دولة عربية بصورة هادئة وموضوعية. فعلت ذلك على مدار أكثر من ستة مقالات لما يحدث للعمالة المصرية فى الكويت.
وبالصدفة فإن صديقا كويتيا سألنى سؤالا مشابها بقوله: «ولماذا لا تنتقد ما يحدث للعمالة فى بقية الدول العربية وبالأخص فى الخليج ؟!!». وقلت له، سأفعل حينما تقع أى حادثة مماثلة. ولا يمكن أن نقارن بين حادث فردى لمقتل مصرى فى أى دولة، وبين حالة من الشحن والتعبئة ضد كل المصريين.
وقد كتبت عن هذه القصة فى هذا المكان قبل أيام تحت عنوان: «متى تنتهى الحساسيات بين العرب»؟!
ثانيا: أدرك أن الحال لا يسر عدوا أو حبيبا فى معظم البلدان العربية. وأعرف أن معظم الدول العربية تأتى فى تصنيفات متأخرة جدا حينما يتعلق الأمر بالديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والفساد والحريات، خصوصا حق التعبير. لكن تظل هناك درجة من النسبية فى الأشياء.
ثالثا: ما يحدث فى لبنان وصل إلى درجة غير مسبوقة من التردى، صارت تهدد بقاء لبنان كبلد. قد يكون هناك استبداد فى هذا البلد العربى أو ذاك، لكنه لم يهدد وجود الدولة نفسها. الصيغة اللبنانية أظن أنها وصلت إلى درجة خطيرة تنذر بعواقب لا يمكن تخيلها.
كنت قاسيا فى انتقاداتى لأنى أحب لبنان جدا كبلد عربى متحضر ومستنير وراقٍ وشعبه لا يستحق ما يحدث له. وكنت قاسيا، لأن الأحوال فى لبنان وصلت لمرحلة شديدة الخطورة.
ديون هى الأعلى على الإطلاق عالميا، تبلغ ١٧٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وتقترب من مائة مليار دولار.
الدولار كان يساوى حوالى ١٥٠٠ ليرة، حتى أسابيع مضت، وظل يقفز حتى وصل فى بعض الفترات إلى عشرة آلاف ليرة، والتضخم يتصاعد، والنتيجة أن نسبة الفقر قفزت من ٣٧٪ العام الماضى إلى ٤٥٪ هذا العام، فى بلد لا يزيد عدد سكانه عن ٥ ملايين نسمة. والنتيجة أن لبنان عجز عن سداد أقساط ديون مستحقة فى إبريل الماضى، وكاد يتم إعلان إفلاسه دوليا لولا جدولة هذه الأقساط فى اللحظة الاخيرة. وهو مضطر إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولى وبقية المؤسسات الدولية، ما يعنى مزيدا من التقشف، لن يتحمله إلا الفقراء والطبقة الوسطى.
ثروة عائلتين فقط من محترفى السياسة فى لبنان تعادل أجور ثلاثة ملايين لبنانى!. الاستبداد والفساد ليس قاصرا على حزب أو طائفة. كل الطبقة الحاكمة، وأحيانا المعارضة ضربها الفساد، أو استفادت منه، أو تواطأت معه، والأخطر أن بعضها يلعن الطائفية نهارا، ويتحالف معها ليلا، أو يتقاسم معها بعض الغنائم بين الحين والآخر.
لم نجد حزبا ينتقد الطائفية أو الاستبداد، ويقوم بإجراء انتخابات داخلية على أساس المواطنة والتنوع، لكن هذه الأحزاب التى يصف بعضها نفسه بأنها ديقمراطية أو تقدمية أو ليبرالية، يتوارثها الأحفاد عن الآباء عن الأجداد.
الطبقة السياسية اللبنانية قبلت أن يتحول لبنان إلى ملعب للصراع الطائفى والعرقى والقومى والدينى، وولاءات بعض قادته لدول وطوائف موجودة خارج لبنان.
إسرائيل مسئولة عن جزء كبير من مشاكل لبنان، لكن للموضوعية فإن طبقته السياسية تتحمل الجزء الاكبر من المسئولية. إسرائيل انسحبت من لبنان منذ عشرين عاما، والمشاكل تزيد ولا تقل.
قد يكون لبنان منفتحا ولديه بعض الحريات بحكم تركيبته الطائفية، وبالتالى فإن مشاكله معروضة على الملأ، مقارنة ببعض الدول العربية المغلقة، ولكن لم نرَ ترديا فى أحوال أى شعب عربى كما حدث فى لبنان حتى تلك التى تعيش حروبا أهلية.
لبنان يستحق طبقة سياسية مختلفة تنظر للمستقبل وتخاصم الماضى البغيض والحاضر الخطير.