بقلم: عماد الدين حسين
قبل أن يبدأ موكب المومياوات الملكية تحركه من المتحف المصرى بالتحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط، كنت أسير فى شارع يربط بين قصر العينى وشارع الفلكى بوسط البلد قرب ضريح سعد زغلول، فوجئت أن البقال والحلاق والخياط والمكوجى وصاحب محل أجبان ومحل ضخم للأجهزة الكهربائية. كل هؤلاء ضبطوا أجهزة تليفزيوناتهم على القنوات المحلية التى تنقل هذا الحدث العالمى الضخم.
وحينما هممت بدخول شقتى، وأنا واقف أنتظر المصعد، كان خفير المنزل جالسا أمام تليفزيون صغير ينتظر بداية انطلاق الموكب.
للموضوعية لم أكن أتخيل أن يكون الاهتمام بهذه الصورة لدى العديد من القطاعات الشعبية، لكن حينما شاهدت ذلك، أدركت أن الرسالة قد وصلت لغالبية المصريين تقريبا.
الذين شاهدوا عملية النقل والإخراج التليفزيونى ما بين المتحف المصرى بالتحرير ومتحف الحضارة بالفسطاط يجمعون تقريبا على أن العملية كانت مبهرة إلى أقصى درجة ممكنة، فى ظل الظروف الراهنة، مع بعض التحفظات على لقطة هنا أو هناك، خصوصا بسبب التداخل الإخراجى ما بين أوركسترا نادر عباس وفقرات أخرى فى نفس التوقيت، أو تصميم الرقصات فى متحف الدير البحرى بالأقصر.
ميدان التحرير كان فى أبهى حلة بعد كشف الغطاء عن المسلة والكباش الأربعة والأضواء الساطعة والمعبرة فى نفس الوقت، وخط سير موكب المومياوات من أمام المتحف حتى خروجه من الميدان باتجاه كورنيش النيل، كان شديد الرقى والإبهار، ومتحف الحضارة الذى استقبل توابيت 22 ملكا وملكة، تم تصميمه على أحدث طرق حفظ الآثار بصورة أفضل كثيرا مما كان موجودا فى المتحف المصرى.
قبل أن ينتهى العرض بفترة قصيرة تلقيت اتصالا من صديق عزيز وهو فى نفس الوقت مراقب جيد لما يدور فى مصر، يقول لى: «لازم تكتب مقال عن هذا الحدث عنوانه عشرة على عشرة».هو كان شديد الإعجاب بما يحدث فى هذه الليلة.
قلت له أنا مقتنع بكلامك، وأول مقال لى بعد الشفاء من فيروس كورونا سيكون فى نفس الاتجاه.
فى هذه الليلة قدمت مصر للعالم أفضل صورة ممكنة عن نفسها. صوة تتحدث عن النظام والنظافة والدقة والحضارة والرقى وقبل ذلك وبعده عن الحضارة الإنسانية وليس العنف والإرهاب والتطرف والفساد والاستبداد.
الصديق قال لى: إذا كنا قادرين على تقديم مثل هذا الأداء والنجاح المتميز، فلماذا لا يصبح ذلك هو النموذج، فى جميع المجالات؟!وللموضوعية فإن خالد العنانى وكل مساعديه فى وزارة الآثار والسياحة بذلوا جهدا متميزا يستحقون عليه التحية والتقدير، وللموضوعية أيضا، فإن الحكومة، لم تبخل بأى شىء لتجهيز متحف الحضارة، الذى بدأت فكرة نقل المومياوات إليه من أربع سنوات تقريبا ورعاه الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى حضر افتتاحه ليلة أمس الأول.
نجحنا فى إبهار العالم، خصوصا أولئك المفتونين بالآثار الفرعونية الكبيرة، وهو تراث إنسانى وحضارى عظيم ليس له مثيل تقريبا.
وقرأت علي صفحة الفيسبوك للكاتبة منال لطفي مراسلة الاهرام في لندن تقول ان كل وسائل الاعلام العالمية الكبري احتفت بمصر امس وكان اسمها مقرونا بعبارات التميز والابهار والتحضر.
نحتاج إلى النجاح فى إبهار العالم بواقعنا وليس فقط بماضينا. نحتاج إلى تعليم وبحث علمى مختلف يقدم لنا خريجين على إطلاع كامل على علوم العصر المتقدم. نحتاج إلى تنظيم إدارى حديث يستطيع استغلال الكفاءات الموجودة، وركن العناصر السلبية والمعوقة، نحتاج إلى التنوع حتى تتلاقح الأفكار.
مبروك لمصر هذه الاحتفالية المبهرة، التى جعلتنا ننسى «أسبوع الآلام» الذى بدأ بجنوح السفينة «إيفر جرين» بالقناة، ثم تصادم قطارى سوهاج، وانهيار عقار شرق القاهرة. نتمنى المزيد من هذه الأحداث التى تجعلنا نفخر بأننا مصريون مثلما رأينا فى تعويم السفينة الجانحة.
ولم تكن مصادفة أن يكتب العديد من النجوم والفنانين والسياسيين والشخصيات العامة على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى عقب نهاية الاحتفال ليلة السبت، فخور «أننى مصرى».