بقلم: عماد الدين حسين
ما الذى يجمع العراق ولبنان وإيران؟!.. لا تذهبوا بعيدا فى الاستنتاج، فأنا أقصد شيئا سياسيا محضا؟!
البلدان الثلاثة لديها انتخابات دورية، وقوى وأحزاب مختلفة إلى حد ما، وديمقراطية نسبية، خصوصا فى لبنان، ورغم ذلك خرجت الجماهير فى الدول الثلاثة للتظاهر والاحتجاج.. فلماذا حدث ذلك، وهل عجزت الآلية السياسية والديمقراطية عن أداء عملها؟!
الدرس الجوهرى الذى تقدمه حالات البلدان الثلاثة أن وجود التعددية السياسية المنفتحة جدا، كما هو فى لبنان أو المقيدة كما هو فى إىران، ووجود انتخابات مفتوحة لا يفوز فيها أحد، شخص أو حزب بـ٩٩٫٩٪، ووجود صحافة حرة إلى حد ما لا يكفى لحدوث التوافق الوطنى الذى يحتاج فى الأساس إلى العدالة الاجتماعية، وألا تتحول العملية السياسية إلى تقسيم الثروة بين قادة وعناصر وأزلام ومحاسيب الطبقة السياسية الضيقة، فى حين يعانى الشعب من أوجاع اقتصادية مزمنة. وبالتالى فإن العدالة الاجتماعية صارت شرطا جوهريا لاكتمال الرضاء الاجتماعى.
رأينا انتخابات جرت فى لبنان قبل حوالى العام. وشاركت فيها كل القوى والأحزاب وغالبيتها طائفية مذهبية، وذهب الناخبون إلى لجان وصناديق الانتخابات، وأدلوا بأصواتهم بكل حرية، وبسبب النظام السياسى العقيم، فقد تأخر تشكيل الحكومة شهورا، حتى يتفق الأفرقاء على صيغة مناسبة للحكم أو قل تقسيم الحكم على أساس طائفى مذهبى.
تشكلت الحكومة وشارك فيها الجميع، ولكن بأغلبية واضحة لحزب الله ومعه «التيار الوطنى» أو العونى المؤيد لرئيس الجمهورية، لكن قبل حوالى خمسة أسابيع ثار الشعب على هذه الطبقة السياسية بأكملها وطالب بإسقاطها وإسقاط هذه الصيغة التى يراها فاسدة وأقرب إلى العصابة.
نفس الأمر مع الفارق فى التفاصيل موجود فى العراق. كل القوى والأحزاب الموجودة فى الشارع العراقى، شاركت تقريبا فى الانتخابات البرلمانية، وحصلت كتلة ساترون التى يتزعمها مقتدى الصدر على النسبة الأعلى من الأصوات، لكن من دون أى غالبية. وتشكلت حكومة توافقية بزعامة عادل عبدالمهدى. لكن الشعب ثار ليس فقط على الحكومة، ولكن على الفلسفة السياسية التى جعلت القوى السياسية وغالبيتها مدعومة من إيران، تهيمن على المشهد السياسى وتوزع المناصب على محاسيبها!!. والنتيجة أن غالبية الشعب سنة وشيعة، عربا وكردا ثاروا على هذه الطريقة التى حولت بلدا نفطيا وغنيا بالموارد الطبيعية والكفاءات البشرية إلى حالة يرثى لها.
إيران لديها انتخابات برلمانية دورية، وتنافس دائم بين تيارين رئيسيين هما الإصلاحى والمحافظ، وانتخابات لرئاسة الجمهورية، ولا يوجد رئيس يستمر أكثر من فترتين رئاسيتين، لكن الفارق مقارنة مع العراق ولبنان، أن المرشد الأعلى، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، هو الذى يملك الكلمة النهائية بشأن دخول أى مرشح للبرلمان أو الرئاسة أو المجالس المحلية. ورغم ذلك كانت هذه الآلية تعمل بكفاءة وتعطى انطباعا لكثيرين بأنها تتيح مشاركة سياسية معقولة، لكن المشاكل الاقتصادية الطاحنة، الناتج بعضها عن العقوبات الأمريكية، والانفاق على مشروعات للتوسع والهيمنة فى الإقليم، جعلت الاقتصاد الإيرانى يعانى بشدة، وبالتالى خرج المتظاهرون، احتجاجا على زيادة أسعار الوقود ثلاثة بنسبة 200%. أجهزة الأمن فى العراق وإيران قمعت المتظاهرين بلا رحمة، وهناك تقدير بسقوط اكثر من٣٠٠ قتيل فى العراق و150 فى ايران، وآلاف المصابين، لكن المشهد فى لبنان كان بلا دماء تقريبا.
حتى وقت قريب كان البعض يعتقد أن وجود ديمقراطية شكلية كاف لاستمرار الحكومات والأنظمة، لكن تجارب البلدان الثلاثة وقبلها السودان والجزائر، تقول إن ذلك قد ينجح لسنوات، لكنه لا يمكنه الاستمرار طوال الوقت.
غالبية الجماهير فى الدول الثلاثة، خرجت لأسباب اجتماعية اقتصادية فى الأساس، وبالتالى فهى تبعث برسالة للطبقة السياسية الحاكمة مفادها أنها لا يمكنها الاستمرار بهذه الصيغة حتى لو حاولت الحكومات استخدام عباءة المذهب او الدين.
وسائل التواصل الاجتماعى لعبت دورا مهما فى هذه الاحتجاجات، للدرجة التى دفعت الدول الثلاثة إلى تعطيل خدمات الإنترنت بصور جزئية أو شاملة، والنتيجة فى النهاية أن الدرس قد يصل بصورة أو بأخرى للحكومات الثلاثة، وهى أن هذه التمثيلية لن تستمر. رأينا فى لبنان والعراق اعترافا بالمشكلة واستعدادا للإصلاح حتى لو كان شكليا، لكن الحكومة الإيرانية تعاملت مع المحتجين باعتبارهم اعداء وأشرارا ومتآمرين فى أيدى الخارج، علينا أن ننتظر حتى نرى كيفية تعامل الحكومات الثلاثة مع هذه الاحتجاجات الشديدة. وهل ستتغير طبيعة الأنظمة أم أنها ستحاول الالتفاف على مطالب الجماهير ام ستلجأ للخيار القمعى السافر؟!