هل كل من قاطع الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أو ذهب إلى اللجان، وأبطل صوته، أو أعطاه لموسى مصطفى موسى، هو خائن وعميل وإخوانى وينايرجى واشتراكى ثورى؟!
الإجابة هى: «لا» قاطعة، وأتمنى من الرئيس وأجهزة الدولة المختلفة تحليل النتائج الأخيرة، حتى تتعامل معها بالصورة الصحيحة.
هناك الملايين الذين ذهبوا للتصويت اقتناعا منهم بالرئيس عبدالفتاح السيسى وسياساته، وبعضهم أدلى بصوته من أجل الاستقرار العام للبلد فى ظل منطقة مضطربة.
لكن هناك آخرين غير الإخوان والمتطرفين، لديهم اعتراضات على بعض السياسات الراهنة، وينبغى أن تفكر الحكومة فيهم وتستمع إليهم، فإما أن تقنعهم برؤيتها وإما أن تقتنع بما يقولونه أو تتفهم وجهة نظرهم.
يوم الثلاثاء قبل الماضى وبعد أن أدليت بصوتى فى لجنة قرب قصر العينى قابلت شخصا أعرفه، وسألته السؤال التقليدى فى هذا اليوم: هل أدليت بصوتك. فقال: لا. فسألته: لماذا؟.
فبدأ يحكى لى قصته، التى أعرف بعضها بالفعل. هذا الرجل كان يعمل مشرفا فنيا متميزا فى أحد المصانع الخاصة، قبل ثورة يناير. ونتيجة للأحداث وبعض مظاهر الانفلات التى رافقت الثورة، توقف المصنع عن العمل، وأغلق أبوابه، فجلس فى البيت. ولأنه يعول أسرة بها زوجة وثلاثة أطفال، فقد اضطر أن يعمل سائقا فى إحدى المؤسسات الخاصة، براتب أقل كثيرا، علما بأنه كان ينتظر الترقى والتطور فى مهنته الأصلية، باعتباره «صنايعى» كبيرا، ويفهم فى المواتير والكهرباء، ومعظم ما له صلة بهذه الصنعة.
هذا الرجل شاب عادى، ليس له أى انتماء سياسى محدد. هو رجل على خلق، ويحرص على أداء الصلوات فى وقتها. وكل أحلامه تلخصت فى تحسن الأحوال، بحيث يضمن مستقبلا أفضل لأولاده.
هو شديد الانتقاد للمشروعات الكبرى ويقول لى: «إن الدولة تبنى مشروعات كبيرة، لكن ما أحتاج إليه أنا كمواطن أن أحصل على شقة من شقق الإسكان الاجتماعى بسعر يناسب دخلى ودخل أمثالى، لأن المطلوب منى، بعد دفعات الحجز والمقدمات والتسلم، أن أسدد شهريا نحو 900 جنيه».
هو لم يشارك فى الانتخابات، لأنه يعتقد أن السياسات الاقتصادية الراهنة للحكومة، أصابته فى الصميم، وهو غير آمن على مستقبل أولاده. يقول لى: «ليس مهما مستقبلى، المهم أريد أن أضمن حدا أدنى من الأمل لأولادى».
قلت له، ولكن الدولة لا تستطيع أن تبنى مصانع ومشروعات إنتاجية من دون وجود البنية التحتية المهمة، خصوصا الطرق ومحطات الكهرباء، فكيف نقيم مصنعا من دون وجود غاز أو كهرباء لتشغيله، أو طريق لنقل البشر والبضائع، أو مدن جديدة تقيم فيها الأجيال الجديدة؟!
ناقشته طويلا فى أهمية المشروعات الخاصة بالبنية التحتية، فتفهم بعضها وقال لى: لكن ماذا ستفيدنا بقية المشروعات الأخرى، التى يمكن تأجيلها لخلق المزيد من فرص العمل الحقيقية أو تطوير التعليم؟!.
لا أحكم على ما يقوله هذا المواطن، وأعرف أنه يقيس الأمور من منظور شخصى بحت، بل ومؤقت، وأحيانا بشعار
«أحينى اليوم وأمتنى غدا»!!.
لكن الهدف من سرد هذا النموذج، هو وجود عدد كبير من أمثال هذا الرجل، الذى لم يذهب للتصويت، ولا يتعاطف مع الحكومة، لأسباب اقتصادية فقط، تتعلق بحياته ومستقبل أولاده. هو ليس مشغولا بالمرة بالديمقراطية والتعددية، وليس مشغولا بما تبثه قنوات الإخوان من أكاذيب كثيرة.
مثل هذا النموذج ينبغى على الحكومة أن تستمع إليه وتحلل وجهة نظره، وتقدم له إجابات، لأن عدد الذين تضرروا من برنامج الإصلاح الاقتصادى كثيرون، ومعظمهم لا تشغله السياسة بمعناها المباشر. هم مشغولون بالاقتصاد، ولو عالجت الحكومة مشكلاتهم، فسوف يكونون فى صفها غدا.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع