حسين عبدالرازق واحد من أصحاب الفضل على العبدلله. لم أعمل معه مباشرة. لكن عملت فى الأهالى، لمدة شهر حينما كان المرحوم محمود المراغى رئيسا لتحريرها، عقب إغلاق الحكومة لصحيفة «صوت العرب» الناصرية، التى عملت فيها بمجرد تخرجى من إعلام القاهرة عام 1986.
تأثرت بطريقة عبدالرازق، كان عبدالرازق صوت العقل والحكمة فى السياسة والصحافة اليسارية، وكان صلاح عيسى ــ رحمه الله ــ الساخر الأعظم فى «مشاغبات» أو «الاهبارية» قبل ان يسلك نفس مسار عديله بعد توليه رئاسة تحرير «القاهرة».
لا أنسى تحقيقا صحفيا مطولا لحسين وصلاح ــ وأظن كانت معهما الصحفيتان الكبيرتان وايضا الزوجتان الشقيقتان فريدة وامينة النقاش ــ قاموا به فى أفغانستان، وفضحوا فيه تورط من كانت تسميهم الحكومات العربية بـ«المجاهدين» فى تجارة المخدرات لتمويل الحرب هناك!
وطبعا هؤلاء «المجاهدين» بزعامة اسامة بن لادن كانت تمولهم وتدربهم المخابرات الامريكية وحكومات عربية كثيرة ومنها الحكومة المصرية وقتها، لاستنزاف الاتحاد السوفييتى.
فى هذا الوقت كنت أحرص على حضور ندوة الأربعاء بحزب التجمع بوسط البلد، وكان يتحدث ويحاضر فيها أساطين السياسة والاقتصاد فى اليسار المصرى، وعلى رأسهم خالد محيى الدين وإسماعيل صبرى عبدالله ورفعت السعيد وإبراهيم سعدالدين وإبراهيم العيسوى وجودة عبدالخالق وفؤاد مرسى وعبدالعظيم أنيس ورمزى زكى ومحمد سيد أحمد ولطفى الخولى، وكوكبة أخرى تحتاج إلى مجلدات.
كنت حريصا على متابعة «الأهالى» كل أربعاء، وشيئا فشيئا، بدأت أميل أكثر إلى أسلوب حسين عبدالرازق الهادئ وكتابته الرصينة، بل والمعارضة الموضوعية، المعتمدة على المعلومة، ليس التشنج والصراخ. وأظن أن قلة عدد أمثال حسين عبدالرازق، كانت أحد أسباب الأزمة الشاملة التى انتهى إليها الآن اليسار المصرى بكل فصائله.
للأسف الشديد غلب منهج الصوت العالى، على كثير من اليساريين وقتها، ولم يدركوا أنهم ركزوا على الشكل، وأهملوا المضمون وهو بناء قواعد جماهيرية. وبالطبع لا يعنى ذلك تبرئة حكومات مبارك المتعاقبة من محاصرة كل الأحزاب المدنية، وعلى رأسها حزب التجمع، لكن ضعف اليسار، هو الذى منح هذه الحكومات الفرصة للاجهاز على ما تبقى منه.
هذا ما كان، لكن ما هو حاضر ومستقبلى اسوأ بكثير مما مضى.
شىء من هذا الأمر لمسته فى مجلس عزاء الراحل الكبير حسين عبدالرازق فى جامع عمر مكرم مساء الإثنين الماضى.
الحضور كان كثيفا جدا، لدرجة أننى عندما دخلت لم أجد مكانا، وظللت واقفا، حتى انتهى المقرئ من «الربع». لكن الملاحظة الجوهرية أن غالبية الحضور كانوا من كبار السن، رجالا ونساء. ولا أعرف هل يمكن أن ينطبق ذلك على حالة اليسار المصرى بصفة عامة، بمعنى أنه لم يعد قادرا على إقناع الشباب بأفكاره، فى حين أن التيارات الظلامية المتطرفة، بما فيها داعش، تجند قطاعات واسعة من الشباب العربى؟!
ويمكن تلمس هذه الظاهرة أيضا من عجز اليسار عن تقديم وضخ دماء جديدة فى شرايين العمل الصحفى.
فى السبعينيات والثمانينيات كان غالبية شباب الصحافة لهم انتماءات أو اهتمامات أو ميول يسارية. الآن يتلاشى ذلك إلى حد كبير، وتراجع اليسار سياسيا وصحفيا. صحيح أن هناك بعض التمثيل لتيار «الاشتراكيين الثوريين» لكنه يظل شديد الهامشية.
أعود إلى نموذج حسين عبدالرازق هذا الصحفى والنقابى والسياسى الجاد والمهموم بهموم وطنه وقضايا أمته. نموذجه جعله يحظى باحترام الجميع. فى سرادق العزاء رأيت كل أنواع وألوان الطيف السياسى المصرى والصحفى، من محمد رجب أمين عام الحزب الوطنى السابق إلى محمد عبدالقدوس الإخوانى، ومن محمد فائق وحمدين صباحى وكمال ابوعيطة وعبدالحكيم عبدالناصر وجلال عارف وجمال فهمى ومحمد سامى من الناصريين، إلى بهاء ابوشقة ومنير فخرى عبدالنور وعصام شيحة الوفديين .الحكومة كانت موجودة ايضا ممثلة فى الوزير عمر مروان، ومن الوزراء السابقين حضر حسام عيسي وهشام الشريف وعماد ابوغازى وحلمى النمنم، نهاية بشخصيات عامة ومثقفين وكتاب أذكر منهم إبراهيم المعلم وزياد بهاء الدين وعمرو الشوبكى وضياء رشوان واحمد النجار ومحمد ابوالغار وفريد زهران واحمد بهاء الدين شعبان وطارق البشرى وجورج اسحاق وفهمى هويدى وعلى الدين هلال واحمد عبدالمعطى حجازى ونبيل الحلفاوي وخالد على واسامة الغزالى حرب وصلاح منتصر وليلى سويف وهيثم الحريرى وجمعا غفيرا من الصحفيين اضافة بالطبع إلى رموز اليسار وعلى رأسهم سيدعبدالعال رئيس حزب التجمع.
خالص العزاء لأسرته الكبيرة مصر، وأسرته الصغيرة وعلى رأسهم زوجته الكاتبة والصحفية فريدة النقاش.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع