بقلم: عماد الدين حسين
فى الأيام الماضية صارت لغة الخطاب المصرية فيما يتعلق بالتعنت الإثيوبى فى قضية سد النهضة شديدة وقوية خصوصا بعد أن أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل أسبوعين أن مصر لن تتنازل عن قطرة مياه واحدة وأنه لا أحد بعيد عن قدرتها.
ويوم الثلاثاء الماضى تحدث وزير الخارجية السفير سامح شكرى لأكثر من وسيلة إعلام، مصرية وعربية منها الشروق حينما كان يزور الخرطوم قادما من جولة المفاوضات الأخيرة فى كينشاسا.
الوزير تحدث بلغة حاسمة كاشفا عن أن التعنت الإثيوبى أفشل جولة المفاوضات التى كان وصفها قبل بدئها بأنها تمثل (الفرصة الأخيرة).
لكن عبارة مهمة وردت فى تصريحات السفير سامح شكرى المتتالية كانت شديدة الغموض. هو قال إن مصر سوف تتحرك حينما يقع عليها الضرر فى حصتها المائية.
والسؤال المهم كيف يمكن حساب وتقدير وقوع الضرر حتى تتحرك مصر دفاعا عن حقوقها المائية الطبيعية والتاريخية؟!
المواطنون العاديون على وسائل التواصل الاجتماعى، ومعهم كثير من المتعلمين والمثقفين يعتقدون أن الصدام مع إثيوبيا قادم لا محالة وقريب جدا.
هؤلاء يعتقدون أنه طالما أن العالم كله تأكد من تعنت ومراوغة إثيوبيا طوال عشر سنوات كاملة، فلم يعد هناك حاجة لمزيد من الإثباتات حتى تتحرك مصر وتحسم الأمور، قبل أن تشرع إثيوبيا فى الملء الثانى وتغيير كل قواعد اللعبة.
لكن تعبير (حدوث الضرر) غامض خصوصا أن طرق إثباته غامضة أيضا.
المؤكد أنه قبل الملء الثانى التى قالت إثيوبيا إنه سيتم فى موسم الأمطار بداية من شهر يوليو المقبل، لن يحدث ضرر على حصة مصر، بل وإذا جاء موسم الفيضان عاليا، كما حدث فى العام الماضى، فقد لا يحدث ضرر، وهناك احتمال أنه إذا كان إيراد النهر عاديا أو متوسطا فإن إثيوبيا قد تلجأ لتقليل كمية المياه المحتجزة حتى لا تؤثر على حصة مصر، وبالتالى تستطيع وقتها بهذا المنطق أن تقول لشعبها إننا نفذنا إرادتنا وقمنا بعملية الملء الثانى متحدين مصر والسودان، وفى نفس الوقت نقول لمصر وللعالم أجمع إننا لم نؤثر على حصة مصر.
ظنى الشخصى وظن كثير من المتابعين لهذا الملف الحيوى، أن مشكلة سد النهضة ليست فى عملية الملء، فإثيوبيا نفسها قالت إنها وافقت على مد عملية الملء لتكون ما بين 5 – 7 سنوات بدلا من ثلاث سنوات.
الملء من الممكن أن يتم على مسافات طويلة أو قصيرة حسب مستوى إيراد النيل الأزرق. لكن الأخطر فى سد النهضة هو كيفية التشغيل وكيف سيكون التصرف فى مواسم الجفاف خصوصا الممتد، والأكثر أهمية هل سوف تستخدم إثيوبيا السد لفرض هيمنتها على النيل التى قال وزير خارجيتها السابق أندروجاشيو أنه (كان نهرا وصار بحيرة إثيوبية).
أن تقوم إثيوبيا بعملية الملء الثانى بصورة أحادية، فمعنى ذلك أن قواعد اللعبة سوف تتغير بالكامل، وسوف نتفاوض من موقع قوة لأنه سيكون من الصعب جدا استهداف السد عسكريا، حتى لا تغرق مساحات واسعة من السودان الشقيق، وحتى لا نتعرض لانتقادات دولية.
لا أعلم كيف يفكر المسئولون المصريون، ولا أملك معلومات كافية ودقيقة حتى يكون حكما صائبا، واثق تماما فى وطنية القائمين على إدارة هذا الملف.
لكن ما أناقشه اليوم هو ضرورة أن نعيد النظر فى مصطلح (لن نتحرك حتى يحدث الضرر). لأن هذا المنطق قد يعنى عمليا السماح لإثيوبيا بالملء الثانى بصورة أحادية، وبعدها نراقب هل أحدثت ضررا أم لا.
ظنى الشخصى، أن الضرر حصل بالفعل فى اللحظة التى بدأت إثيوبيا تتهرب من الاتفاق، وتأكد ذلك، حينما هربت من التوقيع على النسخة الأمريكية من الاتفاق فى فبراير 2020.
أتمنى أن تستمر لغتنا أكثر صلابة، وتكون مصحوبة بإجراءات على الأرض، بعد أن ثبت يقينا أن قادة إثيوبيا لا يفهمون سوى لغة القوة.