ما هى الطريقة المثلى التى ينبغى على الحكومة والأجهزة وسائر المؤسسات المصرية ذات الصلة أن تتعامل بها مع محطة بى بى سى عقب التحقيق الوثائقى الذى أذاعته المحطة، وقالت فيه إن هناك حالة اختفاء قسرى للسيدة زبيدة إبراهيم يوسف لدى أجهزة الأمن، ثم خرجت زبيدة نفسها مع الإعلامى عمرو أديب قبل أيام لتؤكد أنه لم يتم القبض عليها أساسا وأن والدتها لا تعرف عنها شيئا منذ توتر العلاقة بينهما بعد زواجها؟
المنهج الأول ــ وهو ظنى الشخصى ــ أن نترك ضياء رشوان رئيس هيئة الاستعلامات يتصرف بالمنطق والقواعد المهنية التى يتعامل بها مع وسائل الإعلام الأجنبية منذ فترة.
رشوان يفهم كيفية التعامل مع هذه الوسائل بصورة شديدة الاحترافية، ويتحدث معهم فى نقاط شديدة التحديد والمهنية، وهو الأمر الذى يفهمه العقل الغربى بوضوح شديد.
رأينا ذلك قبل شهور حينما اشتبك رشوان مع عدة وسائل إعلام عقب حادث الواحات الذى قالت هذه الوسائل إن ضحاياه يزيدون على خمسين شهيدا، فى حين أن بيان الداخلية أكد أنهم لا يزيدون على ١٢ شخصا.
وقتها قال لهم: أثبتوا صحة رقمكم أو صححوا ما نشرتموه، واعتذروا.. وهو ما حدث بالفعل.
المنهج الثانى هو سياسة الردح والسب والشتم، وهو منطق مُغْرٍ ولذيذ لدى البعض، لكنه مدمر على المدى البعيد.
أن يخرج صحفى أو كاتب ليسب هذه المحطة الغربية أو تلك، فقد يعجب «جمهور الترسو» لكنه سيضرب مصداقيتنا فى مقتل. تخيلوا أننا نلوم على البى بى سى أنها وقعت فى خطأ مهنى، ثم نتسابق نحن على الوقوع فى أخطاء مهنية قاتلة.
حدوث ذلك، سوف يدفع البى بى سى كى تقول: نعم نحن أخطأنا فى واقعة زبيدة، ومستعدون لمراجعة الأمر، لكن ماذا عن الأخطاء التى تقع فيها بعض وسائل الإعلام المصرية بحقنا وبحق الإعلام الأجنبى؟!
السؤال: هل من مصلحتنا أن نغلق مكتب البى بى سى بالقاهرة، أو أى مكتب لصحيفة أو فضائية أجنبية لا تعجبنا سياستها؟!
ظنى الشخص أيضا أننا سنكون نحن الأكثر خسارة فى هذه الحالة؟!
المحطة قد تخسر المعلومات المباشرة من المصادر المصرية، لكنها فى هذه الحالة ستعطى لنفسها حق خوض معركة مفتوحة ضد الحكومة المصرية والصيد لها فى الماء العكر!!.
وجود بى بى سى وغيرها بالقاهرة مصلحة مصرية، وإدارة حوار عقلانى لإجبار أو اقناع كل هذه المحطات على اتباع أكبر قدر ممكن من القواعد المهنية، بدلا من خروجها من هنا، خصوصا أن هناك عواصم عربية ترحب بانتقال المكتب الإقليمى للبى بى سى إليها.
مثل هذه الموضوعات لا ينفع فيها «فرح العمدة» أى أن يتقدم كل شخص ليفتى فى الموضوع ويجعلنا نخسر فى قضايا يفترض أنها مضمونة المكسب.
وإلى أن تعلن البى بى سى تفاصيل ما حدث فتقديرى أنها أخطأت تماما فى موضوع زبيدة وكان يفترض أن تحقق فى الأمر وتحسمه بسرعة، وتعتذر عن الخطأ، أو توضح ما لا نعرفه.
أفهم تماما أن مصريين كثيرين ليسوا سعداء بما تكتبه بعض وسائل الإعلام الغربية عن مصر، لكن لا ينبغى الرد على الخطأ بخطيئة أكبر.
أدرك أيضا أن بعض وسائل الإعلام الغربية ليست بريئة تماما من الهوى، وبعض العاملين فيها صاروا «نشطاء حرفيا وليسوا صحفيين»، لكن الرد على ذلك، لا ينبغى أن يكون بالسب والشتم وتهم العمالة، بل بكشف هذه السقطات أولا بأول.
بعضهم يتعاملون معنا بأكبر قدر من اللؤم والخبث، ونحتاج إلى أن يكون ردنا عليهم مهنيا ومحددا وذكيا.
نقلا عن الشروق القاهرية