بقلم: عماد الدين حسين
لو أن الحكومة المصرية تصرفت منذ البداية بالصورة التى تصرفت بها ظهر السبت الماضى فى كفر سعد، فربما ما واجهت أزمة صعبة، فى تطبيق قانون التصالح فى تعديات البناء، خسر فيها المجتمع الكثير، وبصورة مجانية.
كنت حاضرا فى لقاء كفر سعد بمدينة بنها قليوبية، بدعوة كريمة من مجلس الوزراء. اختيار المكان كان مهما ويعطى دلالة، لأنه يمثل نموذجا فريدا يجمع كل أنواع المخالفات من البناء العشوائى إلى التعدى على أرض الدولة، نهاية بالبناء غير المرخص ،أو المرخص ولكنه متجاوز فى الارتفاع أو البروز وسائر أنواع المخالفات التى يندر ان تجد مثيلها الا في مصر.
رئيس الوزراء لم يكن تقليديا يوم السبت. حضر إلى المكان من دون كرافتة، مرتديا زى كاجوال يناسب المكان والمناسبة، ومن الواضح أن غالبية الوزراء الذين حضروا اللقاء فعلوا الأمر نفسه، بل إن بعض الكُتاب والصحفيين خلعوا كرافتاتهم قبل دخول الخيمة التى عُقد فيها اللقاء، حينما علموا بالأمر.
مدبولى كان شديد التوفيق فى عرضه. أمسك بالميكروفون وتحرك بحرية على المسرح، وكان مستعدا ومذاكرا الملف بدقة، والأرقام والبيانات والأفكار واضحة فى رأسه. أحد الأسباب الأساسية للتوفيق هو الفيلم الذى استعان به، وهو يتحدث عن نموذج قرية الخصوص بمحافظة القليوبية. الفيلم يعرض بوضوح لنموذج قرية كانت زراعية بالكامل، لكن الزراعة اختفت منها بالكامل، وتحولت إلى كتلة أسمنتية جرداء وصماء لا حياة فيها. صورة القرية صارت متجهمة وكالحة، البناء فيها عشوائى والشوارع ضيقة جدا لدرجة أن من ينظر إليها للوهلة الأولى يكاد لا يرى الشوارع!.
كنت أتمنى أن تتعمق الكاميرا أكثر فى بعض الشوارع، بدلا من المنظر الجوى فقط، كى تنقل للناس صورة مقربة تظهر انتهاك الخصوصية وانعدام الإضاءة الطبيعية نهارا، لأن البيوت العالية الضيقة تحجب الشمس والهواء وتحوّل المكان لبيئة خصبة لكل أنواع الأمراض الجسدية والنفسية.
مدبولى أجاد وهو يعرض الفيلم، خصوصا فى الجزء المتعلق بالعزبة والتابع وكيف تنشأ العشوائية، وكيف يتم اغتيال الأرض الزراعية مع سبق الإصرار والترصد.
هو ربط بين نموذج الخصوص وكل التعديات فى مختلف أنحاء الجمهورية بصورة مقنعة. وظنى أن أى مخالف أو معترض على القانون لو شاهد هذا الشرح لربما غيّر موقفه أو على الأقل سوف يصبح أكثر تفهما للقانون وأهميته.
مدبولى أكد أن القوانين السابقة جميعها كانت تتعامل مع التعديات بالإزالة فقط، حتى جاء هذا القانون الأخير «رقم ١ لسنة عشرين» ليطرح التصالح فى كل مخالفات البناء القابلة للتصالح، كى يبدأ الجميع صفحة جديدة.
هو قال أيضا إن القانون لا يهدف للجباية، والدليل على ذلك أن الحكومة خفّضت أسعار التصالح أكثر من مرة، ثم أعلن الخبر السعيد، فى نهاية كلمته، وهو توحيد سعر متر التصالح فى الريف ليصبح ٥٠ جنيها لكامل المخالفات، علما أن السعر السابق كان يبدأ من خمسين جنيها ليصل إلى ألفى جنيه، إضافة إلى خصم ٢٥٪ من إجمالى قيمة المخالفة، إذا تم سدادها مرة واحدة، وليس تقسيطا على ثلاث سنوات.
مساء السبت الماضى كنت ضيفا على الإعلامية لبنى عسل فى فضائية الحياة، وكان معنا الدكتور محمد عطية الفيومى عضو مجلس النواب وعضو لجنة الإدارة المحلية، وأحد المطلعين بدقة على قانون التصالح وتفاصيله. هو قال لى إن عدد المخالفين يقترب من ثلاثة ملايين وربع المليون مخالف، لم يتقدم منهم للتصالح إلا حوالى المليون. هو لا يعتقد أن بقية المخالفين يمكن أن يتقدموا فى الوقت المحدد حتى نهاية سبتمبر الجارى، وناشد رئيس الوزراء أن يستخدم سلطته فى القانون ويمد المهلة شهرين.
قلت له الأفضل أن نشجع المخالفين على الذهاب للتصالح بأكبر عدد حتى نهاية الشهر، وحينما نصل لهذا الموعد يصبح لكل حادث حديث.
أتمنى أن يكون لقاء السبت الماضى، قد نزع الجزء الكبر من الفتيل المشتعل من اللغم الكبير، وكان السبب الأساسى فيه سوء التصرف من البداية، لكن الحمد لله أن الحكومة بدأت تتصرف بصورة جيدة فى الفترة الأخيرة.