بقلم: عماد الدين حسين
قبل أيام أوقفت أحد التاكسيات فى ميدان الباشا بشارع المنيل، وطلبت منه أن يوصلنى إلى شارع قصر العينى. السؤال الأول الذى أسأله لكل سائق تاكسى أركب معه هو: هل العداد شغال؟!
السائق أجاب على مضض: حاضر يا سيدى، وكأنه يسدى إلىّ خدمة جليلة! دخلت التاكسى، وفوجئت أنه يدخن، فطلبت منه بكل أدب أن يطفئ السيجارة، فقال لى أغرب رد: أنا مدمن للسيجارة ولا أستطيع إطفاءها، سلمت أمرى لله، وطلبت منه أن يرتدى الكمامة، فقال لى إنها تخنقه، ثم أضاف الجملة الشهيرة: «خليها على الله يا بيه».
كررت محاولة إقناعه، لكنه فجأة أوقف السيارة، وأطفأ المحرك، ثم سلمنى مفاتيح السيارة فى حركة مسرحية، وعلى وجهه ابتسامة ساخرة، وقال لى: ايه رأيك تأخذ مفاتيح العربية كمان؟!
لم أكن أعرف هل أضحك أم أبكى أم أصرخ فى وجهه. لكننى نزلت من السيارة، فسألنى ببرود واستغراب شديدين، ماذا تفعل فقلت له: لا أحب ركوب التاكسيات مع المدمنين!!
هذا السائق ليس فلتة أو نموذجا نادرا، هو يمثل شريحة واسعة من سائقى التاكسى، لديهم اعتقاد راسخ بأن الراكب أو الزبون ملكية خاصة لهم، ومن حقهم أن يفعلوا معه ما يشاءون!
هذه الطائفة لم يعد هناك رقيب أو حسيب يردعها عما تفعله. وحتى يكون كلامى موضوعيا، أسارع فأقول أن كلامى لا ينطبق على كل السائقين، هناك شريحة محترمة ومهذبة وتعمل بما يرضى الله.لكن من سوء الحظ أن الفئة الأخرى التى أكتب عنها اليوم، هى الشريحة الظاهرة والمسيئة للجميع.
الأساس فى غالبية سائقى التاكسى أنهم لا يقومون بتشغيل العداد، لكن الغريب أنهم جميعا تقريبا يقومون بتشغيل القرآن الكريم، ويضبطون راديو السيارة على إذاعة القرآن، وكما قال الراحل الساخر الكبير جلال عامر: «ما نحتاجه منكم أن تشغلوا العداد قبل أن تشغلوا القرآن».
بعضهم يقوم بتشغيل العداد، لكنه «يلعب فيه» بحيث يتم تسريعه، والمشوار الذى تعودت أن تدفع فيه ثلاثين جنيها تجد نفسك تدفع خمسين جنيها، من دون أن يكون هناك شىء مختلف فى هذا المشوار سواء المسافة أو الزحام أو التوقيت المتكرر. وحينما تلفت نظر أحدهم إلى أن العداد «مش مضبوط» ينفجر فيك صارخا: «يعنى أنا حرامى»؟! وذات مرة قمت بالرد على أحدهم: «نعم إنت حرامى ولن أدفع الأجرة». فبدأ يقول لى: «اللى تدفعه يا بيه»!
نوع آخر من السائقين حينما لا يشغّل العداد، فإنه يفرض على الزبون مبالغ باهظة تكون ضعف المبلغ الحقيقى.
غالبية هذه الشريحة، لم تتعود على الحد الأدنى من قواعد القيادة، خصوصا الأماكن التى يفترض أن يقف فيها. هو يقف فى أى مكان يخطر على باله فى وسط الطريق، وفى مطلع الجسور بل فى وسط «اليوتيرن» أو الملف غير مكترث بتوقيف الشارع بأكمله خلفه.
وصلت إلى قناعة أن هؤلاء السائقين لا يفعلون ذلك عن بلطجة، بل إنهم لم يعودوا يعرفون الحد الأدنى من أخلاقيات القيادة، ولم يعد هناك من يردعهم.
لو أن شرطى المرور أوقفهم، وجعلهم يدفعون الغرامة المستحقة عليهم نتيجة هذه السلوكيات، فالمؤكد أنهم سوف يرتدعون، ولن يعودوا لتكرارها مرة أخرى.
أتمنى أن تكون هناك معاملة مختلفة من قبل إدرة المرور مع كل هذه النوعيات العشوائية من سائقى التاكسيات، ومعهم سائقى الميكروباصات أيضا، لكى يتعلموا أساسيات القيادة.
ترك الأمور على ما هى عليها، ستحول الشوارع بأكملها إلى أخلاقيات التكاتك التى تنتشر بصورة كبيرة!