بقلم: عماد الدين حسين
من الأشياء التى لا أفهمها حتى الآن هى معارضة بعض المتعلمين والمثقفين، للحملة التى تشنها أجهزة الدولة ضد التعديات على الأرض الزراعية أو مخالفات البناء أو البناء العشوائى.
ومما يزيد من درجة الغرابة أن غالبية هؤلاء فى طليعة منتقدى الدولة والحكومات المتعاقبة على تخاذلها فى ردع المعتدين على أراضى الدولة وأولئك الفاسدين فى جهاز المحليات الذين سمحوا لهم بالتعدى والبناء العشوائى.
طبعا جزء كبير من هؤلاء معارضون للحكومة، وهذا حقهم الكامل فى معارضتها، بل أتفق مع بعضهم فى نقاط كثيرة. لكن يفترض أنه لا يوجد تعارض بين أن أعارض الحكومة فى قضية أو سياسة أو توجه معين، وأن أتفق معها أو أؤيدها فى قضية أو سياسة أخرى، لكن أن أعارض على طول الخط، أو أؤيد على طول الخط، فتلك إحدى مشكلاتنا الكبرى منذ عشرات السنين. أفهم أن أتعاطف مع مخالف مسكين اضطرته الظروف للمخالفة، لكن كيف أفهم التعاطف مع الحوت الذى بنى عشرين أو سبعين برجا بدون ترخيص وعلى أراضى الدولة؟!!!
يقول هؤلاء فى معرض دفاعهم عن معارضتهم لخطة الدولة محاربة التعديات، إن الحكومات المتعاقبة هى التى سمحت بالتعدى والمخالفات وهو قول صحيح إلى حد كبير، لكن هل يعنى ذلك أن نسمح بتقنين هذا التعدى والفساد ومخالفة القانون؟!
وإذا سمحنا بذلك فما هى الرسالة التى ترسلها الحكومة والدولة لغالبية المواطنين الشرفاء الذين التزموا بالقانون طوال السنوات الماضية؟
الرسالة التى ستصل إليهم هى أن المخالفين والمعتدين والفاسدين هم الذين يفوزون فى النهاية وأن الالتزام بالقانون لا يجلب إلا الخسارة.
يقول هؤلاء أيضا إن هذه التعديات منذ سنوات طويلة، وبالتالى اكتسبت مراكز قانونية أو عرفية قوية، ولا يحق للحكومة وأجهزتها المختصة أن تسترد هذه الحقوق مرة ثانية. هذا قول غريب ومضمونه أنه يكافئ المعتدين. بالطبع أصحاب هذا الرأى يقولون إن الدولة وهى تقوم بإزالة التعديات فإنها تظلم عددا كبيرا من المواطنين الفقراء محدودى الدخل الذين اضطروا للمخالفة فى سنوات سابقة. قول كان يبدو وجيها وأخلاقيا لو أن هؤلاء طالبوا بأن تبذل الحكومات كل جهد لمساعدة المحتاجين الذين اضطروا للمخالفة والتعدى، ولا تترك الحيتان الكبرى تهرب بما كسبت.
الذين يعارضون خطوة الحكومة، لا يدركون أن النسبة الأكبر من قيمة التعديات هى لحيتان كبيرة أو متوسطة، وليس معظمهم فقراء. من بنى برجا بصورة عشوائية أو بغير ترخيص، ليس فقيرا. ومن بنى على أرض زراعية، ليس فقيرا جدا، بل هى أرض يملكها، وكان يعرف من البداية أنه مخالف للقانون. تقديرى أنه لا وجه للتعاطف مع كل هذه الفئات. لكن أفهم التعاطف مع أى مواطن اشترى شقة فى عقار مخالف وهو لا يعرف أنه مخالف، أو يعرف ولم يكن أمامه من سبيل. وحسنا أقر مصطفى مدبولى فى اجتماع مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضى حينما قال إن المخالفات يتحملها صاحب أو مالك المبنى وليس شاغل الوحدة السكنية.
يقول المعارضون للحكومة فى إزالة التعديات إن مثل هذه الحملات قد تؤدى إلى تداعيات سياسية واجتماعية خطيرة. هو قول منطقى، لكن اعتماده يعنى أيضا أننا مضطرون لتأجيل العديد من الإصلاحات لأنها جميعا قد تؤدى إلى تداعيات اجتماعية وسياسية وأمنية. وهذا القول ردده كثيرون قبل وأثناء تطبيق عملية الإصلاح الاقتصادى خصوصا تحرير سعر العملة. وسائر أنواع الإصلاحات والإجراءات التى شهدتها مصر طوال العقود الماضية.
مرة أخرى أتفق مع أى شخص يلوم الحكومات السابقة أو الحالية التى سمحت بفساد المحليات ويطالب بمعاقبة هؤلاء الفاسدين، أو يقول إنه مع تطبيق القانون بكل قوة، لكنه فى نفس الوقت يطالب بمساندة غير القادرين على دفع قيمة المخالفات، لكن أن اصطف مع المخالفين للقانون بالحق والباطل، لمجرد أننى أعارض الحكومة، فهو أمر غريب، وينزع المصداقية عن أصحابه.
نعم الحكومات المختلفة كانت سبب الفساد، وهى التى سمحت به، وربما استفادت منه، لكن ما الحل إذا جاءت حكومة أخرى وقررت أن تبدأ عملية الإصلاح؟ علينا أن نساند تطبيق القانون وتشجيع التصالح فى هذه القضية، ونطالب الحكومة فى نفس الوقت بكل أنواع المساعدة للفقراء والمتعثرين من المخالفين.