بقلم: عماد الدين حسين
فى التاسعة والثلث من مساء يوم الأحد الماضى سألتنى قناة الحرة الأمريكية عن مغزى امتناع مصر عن التصويت على قرار يدين إيران فى مجال حقوق الإنسان.
التصويت تم منذ أيام فى الأمم المتحدة، والقرار كان يتضمن أكثر من شق خصوصا دعوة إيران لعدم توقيع عقوبة الإعدام، وإعدام القصر الأقل من ١٨ عاما، وكذلك العراقيل والقيود الكثيرة على حرية التعبير خصوصا للأديان الأخرى والأقليات.
فى هذا التصويت وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو إيران إلى احترام حقوق الإنسان لجميع مواطنيها، بأغلبية ٩٧ صوتا مقابل معارضة ٣٢ صوتا، وامتناع ٦٤ دولة عن التصويت. والقرار يمكن قراءته أيضا بأن المعارضين والممتنعين عن التصويت «96 دولة» مقاربين للمؤيدين 97 دولة.
قناة الحرة وهى قناة رسمية تتلقى تمويلها من وزارة الخارجية الأمريكية، لفت نظرها أساسا امتناع مصر عن التصويت، ولذلك خصصت حلقة لهذا الموضوع استمرت حوالى نصف ساعة شاركت فيها برفقة المحلل السياسى المصرى المقيم فى واشنطن محمد سطوحى.
مقدم البرنامج وجه لى أكثر من سؤال منها: هل هذا التصويت يعنى أن العلاقات المصرية تتحسن مع إيران وتسوء مع دول الخليج، خصوصا أن كلا من السعودية والإمارات صوتت بنعم لصالح إدانة إيران، فى حين صوتت كل من العراق ولبنان ضد الإدانة؟.
تقديرى أن تصويت مصر طبيعى جدا، ويبدو من المبالغة أن يفترض أى شخص أو جهة أن يكون التصويت المصرى فى كل القضايا مطابقا للتصويت الخليجى. ومن يفترض ذلك أو يتوقعه فهو يسىء لمصر بشدة، لكن فى المقابل، فإن من يتعامل مع هذه التصويت وكأنه بدء تقارب رسمى مع إيران على حساب الخليج العربى، فهو غارق فى الأوهام أيضا.
ظنى الشخصى أن التصويت المصرى بالتحفظ على إدانة إيران ليس مفاجأة، ولا ينبغى التعامل معه باعتباره تطورا دراماتيكيا. وهناك العديد من المبررات والملاحظات التى يمكن فى إطارها فهم التصويت المصرى.
أولا: القرار يدعو إيران إلى وقف عقوبة الإعدام، وإذا أيدت مصر ذلك، فإن المجتمع الدولى سوف يطالبها بذلك أيضا، لأنها من بين دول كثيرة تطبق هذه العقوبة.
ثانيا: الحكومة المصرية ترفض منذ سنوات استخدام سلاح حقوق الإنسان فى المنظمات الدولية، وإذا وافقت عليه اليوم، فسوف يستخدم ضدها غدا، ولذلك، فموقفها فى هذا الأمر منطقى جدا، ويتسق مع انتقادها الدائم لتحويل حقوق الإنسان إلى سلاح سياسى فى أيدى الدول والقوى الكبرى.
ثالثا: التصويت خلافا لرغبة دول الخليج، هو تأكيد على استقلالية الموقف المصرى فى العديد من القضايا. ومصر سبق لها التصويت لصالح قرار روسى تدعمه إيران يتعلق بسوريا فى أكتوبر ٢٠١٦، رغم معارضة السعودية التى دخلت فى سجال دبلوماسى مع مصر وقتها.
ثم إن هناك نقاط التقاء بين مصر وإيران ــ رغم قطع العلاقات رسميا منذ قيام الثورة الايرانية فى اول فبراير 1979 ــ مثل ضرورة دعم الرئيس السورى بشار الأسد فى مواجهة القوى الإرهابية المتطرفة، وكذلك ضرورة إخضاع البرنامج النووى الإسرائيلى للرقابة الدولية.
إذا ليس غريبا أن تمتنع مصر عن التصويت على هذا القرار. لكن لا يعنى ذلك بالمرة أن هناك خلافا جوهريا بين القاهرة وكل من الرياض وأبوظبى.
قد لا تكون العلاقات الآن سمنا على عسل كما كانت قبل سنوات، وقد تكون هناك بعض الأطراف قد تراجعت عن تنفيذ بعض الالتزامات والتعهدات، لكن تظل العلاقات المصرية الخليجية خصوصا مع السعودية والإمارات قوية وقائمة على أسس ثابتة، حتى مع وجود خلافات فى بعض الملفات.
تصويت مصر لعدم إدانة إيران لا يعنى أن مصر تتراجع عن إدانة محاولات الهيمنة الإيرانية على المنطقة وتهديد بلدان الخليج، لأن هذا الموقف ينطلق من ثوابت الأمن القومى المصرى والعربى، وبالتالى فمحاولة تصوير أى إشارة مصرية إلى إيران باعتباره قطيعة مع الخليج، أمر غير صحيح بالمرة.
صحيح أن السياسة لا تعرف الثوابت الجامدة واحتمال تغيير المواقف وارد، خصوصا مع «الإلحاح الإيرانى المستمر» على التقارب مع مصر، لكن أظن أن ذلك لن يكون على حساب العلاقات المصرية مع بلدان الخليج، خصوصا السعودية والإمارات.