بقلم: عماد الدين حسين
من يقرأ عنوان الكتاب الجديد للدكتور محمد الباز «هيكل.. المذكرات المخفية»، سوف يتصو أن هناك مذكرات فعلية كانت مخفية، وجاء الكتاب الجديد ليكشف عنها النقاب، خصوصا أن العنوان الفرعى للكتاب هو «السيرة الذاتية لساحر الصحافة العربية».
بالطبع لا توجد مذكرات خفية أو مخفية أو سيرة ذاتية لهيكل.
فكرة الكتاب ذكية ومبتكرة، والباز يقول إنه قابل هيكل صيف ٢٠٠٥، وعرض عليه أن يكتب سيرته الذاتية، فرد عليه هيكل قائلا: «ولماذا أعطيها لك أنت بالذات؟! فرد عليه الباز: حتى أنقلها للأجيال القادمة: فطلب منه هيكل أن يقرأ أولا حواره مع مفيد فوزى فى «نصف الدنيا» حتى يجد بداية الخيط.
فى هذا الحوار مع مفيد فوزى قال هيكل: «إن السيرة الذاتية يجب أن تكون خاتمة لمشواره وليست أثناء الحياة، لم أكتب مذكراتى حتى لا أقع فى محظور وقع فيه غيرى أى إعادة اختراع نفسه من جديد، لأنه لا أحد منا قادر على مواجهة الناس بالحقيقة الكاملة، لأننا بشر، ولذلك أترك حياتى للآخرين، خصوصا أن الذين يعملون فى العمل الصحفى فإن كل مواقعهم وأعمالهم وآرائهم ومشاكلهم وتصورات حياتهم موجودة ومسجلة على ورق وهى مهمة آخرين يستطيعون المتابعة والحكم».
من هذه النقطة عرف د. الباز مفتاح السر وهو البحث عن سيرة ومذكرات هيكل من خلال ما كتبه هيكل نفسه فى كتبه ومقالاته الكثيرة.
من خلال مقدمة الباز فإن هيكل دون سيرته المهنية والسياسية والشخصية داخل مقالاته وكتبه وحواراته، وكأنه أراد أن يقول للجميع: «لقد كتبت حياتى.. وليس عليكم إلا أن تعيدوا ترتيبها كما تشاءون».
الجهد الحقيقى الذى ينبغى أن نشكر عليه محمد الباز هو التبويب والترتيب والتنظيم، هو بذل جهدا كبيرا فى قراءة كل ما كتبه هيكل وكل ما كتبه عنه، حتى يرتب الأحداث والأبواب ترتيبا منطقيا.
المقدمة تبدأ من الصفحة ٩ حتى الصفحة ٤٩ ومن الصفحة رقم ٥١ وحتى نهاية الكتاب فى صفحة رقم ٥٨٤ هى كلام هيكل من خلال كتبه ومقالاته.
الذين قرأوا هيكل جيدا، لن يجدوا فى الكتاب جديدا يذكر، أما الذين لم يقرأوا الرجل فسوف يجدون فيه تلخيصا وتكثيفا ومعرفة بشخصية هيكل.
وبالتالى فالكتاب مهم جدا للأجيال الجديدة للتعرف على هذا الكاتب الكبير.
مساء الخميس الماضى دعانى الدكتور الباز للحديث فى حفل التوقيع الذى تم فى دار بتانة بصحبة الكاتب الصحفى ياسر رزق والكاتب والناقد المعروف شعبان يوسف وحسن عثمان صاحب دار «ريشة» ناشرة الكتاب.
خلال حديثى شكرت الباز على جهده، لكن قلت له وسط جمع كبير حضر المناقشة أنه كان متحاملا على هيكل فى المقدمة. رأيى الواضح أنه إذا كان الناس يختلفون على الأديان والأنبياء، فمن باب أولى أن يختلفوا على الشخصيات العامة، وهيكل لم يكن قديسا أو نبيا، لكنه كان شخصية عظيمة وقامة كبيرة، والباز نفسه قال إن «هيكل هو القيمة الأعلى فى مهنة ننتمى إليها». وبالتالى لا يصح أن نظل نردد اتهامات لا نملك لها دليلا واضحا مثل القول بأنه كان الكاتب الأوحد وصادر حق الآخرين فى حين أن نفس الآخرين الذين رددوا هذا الكلام اقتربوا من رؤساء آخرين ولم يحققوا نفس ما فعله!
هناك أيضا من يردد أن هيكل كان يحب نفسه، ولا أعرف ما العيب فى أن يحب الإنسان نفسه، طالما لا يضر الآخرين، أو القول بأنه غامض فى حين أن حياته موجودة ومعروفة بالكامل فى كل كتبه ومقالاته وحواراته أو الكتب التى صدرت عنه.
قلت فى هذه الندوة المهمة أنه من المنطقى الاختلاف مع هيكل، لكن علينا أن نعرف قدره وعلينا أن نقيمه فى إطار الظروف التى كانت سائدة، وأن نتوقف عن الجدل بطريقة الأهلى والزمالك أو الأبيض والأسود.
شعبان يوسف قال إن هيكل لو لم يكن صحفيا لكان روائيا كبيرا، ونفس الرأى سمعته منذ سنوات من المهندس إبراهيم المعلم الذى كان مقربا جدا من هيكل، ودار الشروق هى ناشرة كتب وأعمال هيكل.
ياسر رزق دافع عن هيكل معتبرا إياه كبير الصحفيين، لكنه أيضا كان يصر دائما على أنه ابن أصيل لمدرسة «أخبار اليوم»، قبل أن ينتقل للأهرام.
كتاب الباز دليل جديد على أهمية هيكل، والمؤكد أن هناك كتبا أخرى قادمة فى الطريق عن هذه الشخصية الأسطورية فى عالم الصحافة.