بقلم: عماد الدين حسين
قلنا مرارا وتكرارا إنه لا يمكن تصور وجود مخالف فى البناء أو معتدٍ على أملاك الدولة أو الأرض الزراعية إلا بوجود موظف فاسد أو مهمل أو متواطئ.
قبل أيام سمعت من مسئولين كبار أن هناك العشرات من المسئولين فى المحليات، وربما يزيد عددهم عن مائة موجودون الآن فى السجن بتهم تتعلق بتسهيل التعديات.
رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى أشار عرضا لهذا الأمر حينما تحدث فى نهاية لقائه مع الصحفيين والإعلاميين ظهر يوم السبت الماضى فى كفر سعد بنها، مؤكدا أن الدولة جادة فى مواجهة الظاهرة، وأنه الا تعاقب المخالفين فقط، بل بعض المسئولين الذين سهلوا لهم هذه المخالفات.
السؤال: أيهما أفضل لمصلحة الدولة والمجتمع أو المصلحة العامة: أن تعلن الحكومة عن هؤلاء المقبوض عليهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم، أم تتكتم على مثل هذه الأخبار، خوفا من بث روح الرعب والخوف والقلق والارتياب والتوجس بين صفوف بقية العاملين فى صفوف المحليات، الذين يقدر عددهم بحوالى ٥٣٪ من إجمالى العاملين فى الحكومة أى حوالى ٢٫٥ مليون موظف؟!
وجهة النظر الأولى ــ وأؤيدها بشدة ــ ترى أن العقاب الفورى والصارم والمعلن للمخطئين فى المحليات من شأنه أن يردع أى شخص يفكر فى أن يفسد أو يساعد آخرين على الإفساد. فى اللحظة التى يتم فيها سجن رئيس حى أو مهندس التنظيم أو أى موظف قيادى بالمحليات. فهو رسالة للآخرين بأنهم لن يفلتوا من العقاب.
لكن وجهة النظر الأخرى تقول إن هذه الطريقة غير ناجحة، لأنها أولا غير رادعة حيث إن حبس وسجن العديد من الفاسدين فى المحليات، لم يمنع الفساد إطلاقا، وهناك إضافة مهمة ترى أن التوسع فى الإعلان عن حبس القيادات فى المحليات، من شأنه أن يؤدى إلى تزايد ظاهرة الأيدى المرتعشة. سمعت من مسئول مهم يقول إن هناك مبالغة فى الحديث عن فساد المحليات. هو يرى أن الجسم الأساسى للجهاز بخير، لكن المشكلة أن قلة قليلة هى التى أساءت لسمعة العاملين الشرفاء. يضيف أن كثيرا من القيادات المحترمة، لا تتخذ قرارات خوفا من محاسبتها لاحقا.
ثغرات القانون تلعب دورا مهما أيضا فى هذا الشأن فبعض موظفى المحليات يلجأون إلى سياسة، «تستيف الأوراق». أى أنه يذهب إلى مكان المخالفة ويحرر محضرا بها، وينذر المخالف، بل ويصدر للمبنى قرار إزالة لكنه لا يسير فى الأمر للنهاية، بل يضعه فى سلة تنفيذ الأحكام، ثم التعلل بعدم وجود معدات إزالة كافية، وهكذا تنشأ المخالفة وتتضخم والموظف موقفه سليم، رغم أنه شارك بالتواطؤ أو الصمت أو الروتين.
لا أوافق على هذا المنطق، وأرى أن العقاب الصارم والشديد فى غاية الأهمية، شرط أن تكون الصورة واضحة أمام الموظف والاختصاصات كذلك.
كتبت أكثر من مرة فى هذا المكان مطالبا أجهزة الحكومة بأن تدرس فكرة فتح ملفات فساد المحليات خصوصا القضايا الكبرى.
على سبيل المثال معظم مدينة نصر بنيت على أساس أنها مدينة مخططة، لكن الأبراج ارتفعت بصورة رهيبة رغم أنها غير قانونية. يمكن بسهولة أن نأتى ببعض المسئولين الذين سهلوا لهؤلاء الحيتان ونسألهم عما حصلوا عليه، ويمكن استرداد جزء مهم من هذه الحصيلة، بحيث يتم توجيهها لمكافحة العشوائيات، التى تسببوا فيها بسياساتهم.
الأمر ليس قاصرا فقط على مدينة نصر، بل هو مجرد مثال، وللأسف هناك العديد من النماذج فى معظم مدن الجمهورية.
طبعا المشكلة ليست فقط فساد بعض موظفى وقيادات المحليات، بل الأمر معقد ومتشابك ومتداخل بين وزارات وهيئات كثيرة، وسياسات حكومية فاشلة، قادت إلى هذا الوضع الأخير، الذى هو عبارة عن تراكم لعقود طويلة أعتقد أن بذرتها الأولى بدأت عقب حرب أكتوبر ١٩٧٣.
مرة أخرى أتصور أن الردع الشديد كما فعلت الصين فى بداية نهضتها الاقتصادية عامل مهم جدا لكى ننهى هذا الفساد غير المسبوق فى المحليات والذى يهدد بتشويه وتغيير الشخصية المصرية.
استمرار هذا النمط قد يرسخ فى أذهان الشباب صغير السن بأن الرشوة أمر طبيعى وأن الموظف الشريف موضة قديمة.
مطلوب فضح وتجريس وكشف المسئولين الفاسدين أولا بأول، على الأقل لكى نقنع الأجيال الجديدة بأن الجرائم خصوصا الفساد لا تفيد.