الموقف المصرى من الطلب الأمريكى بتشكيل قوة عربية للقتال فى سوريا جيد ومحترم، وينبغى دعمه ومساندته بكل الطرق، حتى يستمر على هذا المنوال، فى مواجهة ضغوط متنوعة من أكثر من جانب.
السياسة ليست فقط شعارات ومبادئ، ولكنها أيضا قدرة على المناورة، فى أوقات شديدة الصعوبة، مثل تلك التى نعيشها الآن.
الولايات المتحدة تريد الهرب من سوريا بأى طريقة، لكنها لا تريد فى نفس الوقت أن تنفرد روسيا وإيران بالكعكة وبالتالى فهى تدعى أنها تدافع عن المدنيين، ضد الأسلحة الكيماوية، فى حين أنها تسعى إلى تقليل خسائرها وخسائر حلفائها بكل الطرق هناك.
سيكون من مصلحة أمريكا توريط واستنزاف روسيا وإيران فى سوريا، على غرار ما حدث للاتحاد السوفيتى السابق فى أفغانستان منذ عام 1979 وحتى نهاية الثمانينيات.
الصراعات الدولية موجودة وستظل، وهى قائمة على المصالح، وبالتالى وبعيدا عن لغة الوعظ والخطابة فإن السؤال الجوهرى الذى ينبغى أن نردده نحن فى مصر طوال الوقت هو: ما الذى يجبرنا على أن نتورط فى مستنقع الهدف منه إغراقنا فيه؟!.
الموقف الرسمى لمصر من الأزمة السورية موقف فى غاية التوازن، ويقوم على رفض الحل العسكرى، والحفاظ على وحدة الأراضى السورية، والاعتراف بالجيش الوطنى للدولة السورية، فى مواجهة الميليشيات المسلحة والارهابية.
وبالتالى فكيف يمكن بداهة أن تقبل مصر أى مشاركة فى قوة عسكرية يمكن أن تقود إلى صدام مع ثوابت الموقف المصرى نفسه؟.
مصر قاومت كل الضغوط ولم ترسل قوات إلى اليمن استجابة لطلبات سعودية أكثر من مرة، علما أن الصراع فى اليمن أكثر وضوحا ومن مصلحة مصر وأمنها القومى، ألا يكون هناك احتلال أو هيمنة إيرانية على اليمن والبحر الأحمر وباب المندب. مصر أرسلت قوات رمزية لليمن، وكان دورها مرتبطا بالأساس بحماية مضيق باب المندب وتأمين الملاحة إلى قناة السويس.
إذا كنا فعلنا ذلك فى اليمن، فهل يمكن تصور أن نرسل قوات إلى سوريا، لتنفيذ تصورات أمريكية وربما إسرائيلية غامضة ومريبة؟!.
البيت الأبيض رفض التأكيد على أن مصر وافقت على إرسال قوات إلى سوريا، وأغلب الظن أن هذه الصياغة تعنى أن الحكومة المصرية ترفض الدعوات الأمريكية.
من المنطقى فهم الحرج المصرى، من الدخول فى صراع مفتوح مع الولايات المتحدة، بشأن هذه النقطة، كما يمكن فهم نفس الحرج مع المملكة العربية السعودية، المتحمسة جدا لفكرة إرسال قوات إلى سوريا، رغم أنها تحتاج إلى كل جندى من جنودها أو حتى جنود التحالف العربى، لحسم المعركة فى اليمن، بل وحماية حدودها وأجوائها من الجرأة الحوثية المتزايدة خصوصا فى إطلاق الصواريخ الباليستية التى صارت تطال عدة مدن سعودية.
منطقيا لا يمكن لمصر أن ترسل جنودها لمنطقة تشهد صراعا طائفيا وعرقيا. هل من المعقول أن نذهب إلى سوريا للدخول فى مواجهة مع الجيش السورى النظامى، فى حين أن موقفنا الرسمى هو دعم هذا الجيش فى مواجهة الميليشيات والتنظيمات المتطرفة من داعش إلى القاعدة إلى الإخوان؟!!.
هل يعقل أن نحارب هذه التنظيمات فى سيناء ثم نشارك فى دعمها بأى وسيلة فى سوريا؟!!.
هل يعقل أن ندخل فى صراع سياسى وعسكرى مع روسيا فى سوريا، وهى التى تشاركنا نفس الرؤية فيما يتعلق بالإرهاب والعنف، إضافة إلى مصالحنا الاستراتيجية المشتركة معها، فى أكثر من مجال؟!!.
المؤكد أن من مصلحتنا الحد من النفوذ التركى والإيرانى فى سوريا، وكذلك من أى نفوذ أجنبى، لكن هل يكون ذلك بالتورط فى منطقة صارت تبتلع العديد من الدول والجيوش؟.
أليس من الأفضل أن نركز على دعم الحلول السلمية أولا، ونفضح القوى التى تريد إغراق سوريا والمنطقة فى مستنقع لا نخرج منه أبدا.
لا نريد بالطبع صداما مصريا مع الولايات المتحدة أو السعودية، ولكن مصالحنا القومية والوطنية، يفترض أنها تعلو فوق كل الاعتبارات، وبالتالى فالمفترض أن تكون «اللاء» المصرية واضحة، ضد فكرة إرسال قوات عربية إلى سوريا، بغض النظر عن إعلان ذلك رسميا، أم قولها فى الغرف المغلقة.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع