بقلم: عماد الدين حسين
أرجو أن تتوقف بعض الأصوات الإعلامية العربية عن التعامل مع الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته دونالد ترامب، وكأنه كان مرشح الأمة العربية لحكم أمريكا!
ترامب صار من الماضى بعد فوز بايدن مساء السبت، وبالتالى على الدولة العربية أن تتعامل معه على هذا الأساس.
كان جيدا أن يسارع الرئيس عبدالفتاح السيسى مساء السبت إلى تهنئة جو بايدن بمجرد إعلان وسائل الإعلام عن فوزه.
كان البعض يعتقد أن السيسى سوف يتأخر فى ذلك، حتى يتم الإعلان عن النتيجة بصورة رسمية، خصوصا فى ظل العلاقة الجيدة مع ترامب الذى امتدح الرئيس السيسى عدة مرات ووصفه بأنه رجل عظيم.
السيسى كان رئيسا عربيا يهنئ بايدن، وبالتالى ينبغى ترجمة هذا التحرك إعلاميا وسياسيا، وأن نبعث برسالة واضحة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، بأن علاقتنا معهم تقوم على المصالح والتعاون المشترك، وليس على التفضيلات الشخصية. صحيح أن العلاقات الإنسانية مهمة جدا وتسهل الأمور كثيرا، لكن الأصل فى الأمور هو المصالح وليس الحب والكره والاستلطاف أو البغض.
أسوأ شىء أن نردد مقولات غير صحيحة أو ناقصة، أو حتى كانت صحيحة، لكنها تغيرت الآن، ثم نبدأ فى تصديقها والتعامل معها بأنها دائمة وأبدية، السياسة الصحيحة لا تعرف ذلك أبدا، بل تعرف الواقعية ولغة المصالح ويا حبذا لو كانت مستندة على المبادئ.
إدارة أوباما السابقة اتخذت مواقف عدائية من ثورة ٣٠ يونية ٢٠١٣، ورغم ذلك ننسى أن حقائق السياسة جعلت هذه الإدارة تستمر فى التعامل مع مصر، وأن جو بايدن عارض بوضوح اتجاه باراك أوباما بتنحى مبارك، واعتبره مقدمة للفوضى، وأن تشاك هيجل وزير دفاع أوباما، كان يتصل كل يوم تقريبا بالمشير عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع وقتها.
الأمور تغيرت تماما طوال السنوات السبع الماضية. مصر صارت أقوى وأكثر استقرارا، والعالم أجمع عرف وأدرك إلى حد كبير مخاطر التطرف والإرهاب، وبالتالى فإن الاعتقاد بأن الإدارة الأمريكية سوف تفتح أبواب البيت الأبيض لجماعة الإخوان كى يقيموا الصلاة هناك، أمر مشكوك فيه كثيرا، لكن الأمر فى البداية والنهاية يتوقف على دورنا نحن وماذا نملك من أوراق قوة.
بطبيعة الحال سارع الإخوان إلى تهنئة بايدن، وسوف يتوددون إلى إدارته كثيرا، وسوف يحاولون بكل الطرق تأليب الإدارة الجديدة ضد مصر، ودول الخليج، المطلوب ألا نقابل ذلك باعتبار أن بايدن صار عضوا فى الجماعة ــ كما يتحدث البعض عبثا ــ !! بل بضرورة إقامة علاقة صحية وسليمة ومبنية على التفاهم والوضوح والمصالح المشتركة.
ليس من مصلحتنا أن تسوء علاقتنا مع الإدارة الأمريكية أو تحاول بعض الأصوات الإعلامية المغيبة استعداءها ضد مصر، حتى لا نفسح المجال أمام كل خصومنا ليحرضوها ضدنا، بل علينا أن نوضح للأمريكيين طوال الوقت بأهمية وجود العلاقات القائمة على أساس واضح من التفاهمات والمصالح المشتركة.
ليس عيبا أن نتعلم من الإسرائيليين، كيف يتعاملون بمهارة مع الإدارات الأمريكية المختلفة، وأن السياسة لا تعرف العواطف بل المصالح طوال الوقت.
علينا أن نتعلم طريقة التعامل الصحيحة مع الإدارة الأمريكية الجديدة،على أساس مهنى وحرفى ومرن. العلاقات خصوصا إذا كانت مع دولة كبرى مثل أمريكا لا تعرف «الزعل أو الغضب أو الانفعال أو القطيعة» بل النقاش المستمر بحثا عن تعظيم نقاط التوافق، وتقليل أو تجنيب نقاط الخلاف.
إذا كنا نحتاج إلى علاقات جيدة مع الأمريكيين فإنهم يحتاجون إلى علاقات مستقرة مع مصر أيضا، ولدينا العديد من أوراق القوة، لكن المهم هو كيف نستخدمها بمهارة.
أتمنى أن نبادر إلى بلورة تصورات واضحة تتضمن أكثر من سيناريو للتعامل مع الإدارة الجديدة، خصوصا أن لها تصورات مختلفة فيما يخص العديد من قضايا المنطقة من أول إيران واليمن مرورا بالحريات وحقوق الإنسان نهاية بالقضية الفلسطينية.
السياسة لا تعرف الجمود بل المرونة الفائقة القائمة على قراءة المشهد الأمريكى والدولى جيدا.